كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)

اشارة

نام كتاب: كتاب الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: نجفى، كاشف الغطاء، على بن محمد رضا بن هادى

تاريخ وفات مؤلف: 1411 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه كاشف الغطاء

تاريخ نشر: ه ق

مقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* الصلاة هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها و إن رُدت رُد ما سواها، و بها للصدور المصدوعة المكلومة شفاء، و بها نهي النفس الأمارة بالسوء عن المنكر و الفحشاء. فيا لها من عملٍ جليل هو فعلًا ذو أثرٍ جميل، تعرجُ به النفس نحو الملكوت الأعلى، و تستنشق به شذا السعادة المثلى التي يركض لها المتقون، و المنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون حيث يقف المصلي امام الجلال و الجبروت، أمام ربه و خالقه بخضوعٍ و خشوع ثمّ يتصوّر عظمته و عزتَهُ و جلالَهُ و نعَمِه و جَماله و آلاءهُ و ألطافه، و يقيسه بسائر الكائنات و الموجودات فيقول (اللّه أكبر) صرخة في وجه من طغى و تكبَّر، ثمَّ يستعين به على حمده و الشكر على المزيد من رحمته و الثناء على سمو قداسته بقوله (بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)، ثمّ يتصوّر ألطافه السابقة و أياديه الواسعة و جلائل نعمه الظاهرة و الباطنة فيحمده قائلًا (الْحَمْدُ لِلّٰهِ) واصفاً له بأجلى نعوته فيقول (رَبِّ الْعٰالَمِينَ) ثمّ يدرك الحنان و الرحمة من ذلك المبدأ الفيّاض عليه و على العالمين فيقول (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فهو إليه ترجع السعادة الأبدية و الشقاء الخالد، ثمّ سوقه الشعور بالواجب الى البراءة عمن سواه ممن ألبسه الجهل و الغباوة الإلهية و أنه هو المحمود بتلك الصفات العظيمة المخصوص بتلك العبادة الجليلة، لا ما ينحتونه من الأصنام

و الأوثان لقوله (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) فيستعين بتلك الرحمة المطلقة و السلطان القاهر على كل ما لا يستطيع له صُنْعا و لا يقدر عليه استقلالًا، و كيف يستعين بغيره من مصنوع كيَّفه الهوى و نحته الخيال و هو جلت عظمته و علا سلطانه بيده ملكوت السموات و الأرض و إليه تُرْجَعُ الْأُمُورُ* و تتبدل الأحوال، ثمّ يستجدي ذلك الرب للعالمين المالك ليوم الدين يستجديه الهداية الى الصراط الذي يوصله لسعادة الدارين و الفوز بالنشأتين ذلك الصراط المستقيم صراط الهداية و الرشاد بقوله (اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإنه خير ما يرغب إليه الراغبون و يتطلبه الطالبون، ثمّ حرصاً على الوصول الى الغاية يخص ذلك الصراط بنعتٍ آخر يوجّه إليه دون ما عداه بقوله (صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) و حيث إن نعمه شاملة للضال و المهتدي و المغضوب عليه و المرْضي عنه خصَّ الذين أنعم عليهم بقوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضّٰالِّينَ).

ثمّ إذا انتهى به الحديث في الوصف و الطلب صَعقَهُ ذلك الجلال و راعته تلك الهيبة انحنى راكعاً خاشعاً مستشعراً لعظمةٍ لا توصف منزهاً لها في حمدهِ قائلًا (سبحان ربي العظيم و بحمده)

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 3

ثمّ عاد مشتاقاً الى ذلك الجمال و الجلال مادّاً طرفه نحو الرحمة المطلقة مشبهاً للعلو في العظمة بالعلو المادي مُصَرّحاً بأن هذا المحمود لا يضيع عنده حمد الحامدين و لا شكر الشاكرين، قائلًا: (سمع اللّه لمن حمده) و إذا امتلأ شعور من تلك العظمة خرّ ساجداً لها و هو معترف بعلو فوق ما أدرك قائلًا (سبحان ربي الأعلى و بحمده)، ثمّ يرفع رأسهُ مستغفراً تائباً من كل خطيئة قائلًا (أستغفر اللّه و أتوب إليه)، و هكذا

يكرر ذلك بمقدار ما يشعر به من عظمته و جلاله، ثمّ يرفع يديه قانتاً لله يستنزل ألطاف اللّه الربانية و يستدر من ربه الرحمة الإلهية في قضاء حوائجه و تيسير أموره ثمّ ينهي العمل بحمده الذي لا يُمَلّ و يشهد بأنه هو الإله وحده لا شريك له و أنّ محمداً هو عبده و رسوله الذي هداه لطريق النجاح و عرفه الوسيلة للفلاح و حيث قد انقطع عن الخلق و غاب عن العالم المادي منذ أحرم بصلاته فإذا عاد من ذلك الانقطاع و تلك الغيبة حيّا نبيه الصالحين من العباد و من كان لديه بالتسليم بما يحي به القادم مع من يقدم عليه و الوافد من يفد عليه. فالصلاة نِعمَ الصلة بالخالق عز و جل، و إنها بمنزلة السفر لربه الكريم يستنزل بها الألطاف الربانية و يستدر بها الرحمة الإلهية يناشد بها رب السموات و الأرضين بكبريائه و عظمته و يستنجد بجوده و جبروته و يستعطفه بعفوه و رحمته أن يدخله في كل خيرٍ دنيوي و أخروي أُدخل فيه محمد و آل محمد و يخرجه من كل سوءٍ و شر أخرج منه محمداً و آل محمد، فهي السعادة التي يركض إليها المتقون و المنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون.

قدس اللّه روح الوالد و جعل قبره روضة من رياض الجنة، و قد استفدنا من درسه هذا الوصف لهذا العمل الجليل و كم له من فوائد قيمة و آثار طيبة.

[تمهيد]

الصلاة لغة و شرعاً

الصلاة مفرد صلوات، و هي اسم يوضع موضع المصدر، يقال صلى صلاةً و كان القياس تصليةً «1» نظير ذكى تذكيةً.

و عند معاشر المسلمين هي الأفعال المأتي بها قربةً الى اللّه تعالى المفتتحة بالتكبير للإحرام و المختتمة بالتسليم

للإحلال، ذات الركوع و السجود أو ما يقوم مقامهما.

أما الصلاة على الميت فهي ليست بصلاة، و إنما تكبيرات و تمجيد لله تعالى و دعاء.

منزلة الصلاة بالنسبة للعبادات

هي نعم الصلة للعبد بخالقهِ، و عند ما يحُاسب العبد فهي أول ما يُحاسَب عليها فإن قُبلت قُبل ما سِواها و إن رُدت رُدَّ ما سواها، و هي عَمود الدين.

______________________________

(1) و في (الصحاح) للجوهري و (المختار) منه للرازي: لا يقال في مصدر صلّى: تصلية.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 4

ثواب الصلاة

قال اللّه تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «1» و قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ «2» و قال تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلَوٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ «3» و قال تعالى وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ «4»

و عن الخصال بسنده عن ضمرة بن حبيب، قال سُئل النبي (ص) عن الصلاة فقال (ص):

(الصلاة من شرائع الدين و فيها مرضاة لرب العالمين، فهي منهاج الأنبياء، و للمصلي حب الملائكة. و هدى و إيمان و نور المعرفة و بركة في الرزق و راحة للبدن و كراهة للشيطان و سلاح على الكافر و إجابة للدعاء، و قبول للأعمال و زاد للمؤمن من الدنيا الى الآخرة و شفيع بينه و بين ملك الموت، و أنيس في قبره و فراش تحت جنبهِ و جواب لمنكر و نكير و تكون صلاة العبد عند المحشر تاجاً على رأسه، و نوراً على وجههِ و لباساً على بدنه و ستراً بينه و بين النار و حجةً بينه و بين الرب جلَّ جلاله، و نجاة لبدنهِ من النار و جوازاً على الصراط و مفتاحاً للجنة و مهوراً للحور العين و ثمناً للجنة. بالصلاة يبلغ العبد الى الدرجة العليا لأن الصلاة تسبيح و تهليل و تحميد و تكبير و

تمجيد و تقديس و قول و دعوة)

«5» و عن الرضا (عليه السلام):

(علة الصلاة أنها" إقرار بالربوبية للّٰه عزَّ و جلَّ و خلع الأنداد و قيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل و المسكنة و الخضوع و الاعتراف)

«6» عقاب تارك الصلاة

قال اللّه تعالى فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ «7»، و عن النبي (ص):

(حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ فإن اللّه تبارك و تعالى إذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شي ء يسأله عنه

______________________________

(1) سورة الأعلى- آية (14- 15).

(2) سورة المؤمنون- آية (1- 2).

(3) سورة المؤمنون- آية (9 ج 11).

(4) سورة العنكبوت- آية (45).

(5) الخصال/ الشيخ الصدوق/ ص 522.

(6) تكملة الحديث (و الطلب للإقالة من سالف الذنوب، و وضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاماً لله عز و جل، و ان يكون ذاكراً غير ناسٍ و لا بطرٍ و يكون خاشعاً متذللا راغباً طالباً للزيادة في الدّين و الدنيا مع ما فيه من الإيجاب و المداومة على ذكر اللّه عز و جل بالليل و النهار لئلا ينسى العبد سيده و مدبره و خالقه فيبطر و يطغى و يكون في ذكره لربّه و قيامه بين يديه زجراً له عن المعاصي و مانعاً له عن أنواع الفساد). وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ باب 1/ ص 4/ ح 7، من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 70، العلل/ الشيخ الصدوق/ ص 114.

(7) سورة الماعون- آية (5).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 5

الصلاة فإن جاء بها تامة و إلا زج في النار)

«1» و قال (ص):

(من ترك الصلاة لا يرجو ثوابها و لا يخاف عقابها فلا أبالي أ يموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً)

«2» و عن رسول اللّه (ص):

(لا تضيعوا صلاتكم

فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون و هامان و كان حقاً على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين)

«3» و عن كتاب العلل في البحار (أعلم أن تارك الصلاة مستحلًا كافراً إجماعاً) «4» كما ذكره في المنتهى، قال: (و لو تركها معتقداً بوجوبها لم يكفر و إن أستحل القتل بعد ترك ثلاث صلوات، و التعزيز فيهن) ثمّ قال: (و لا يقتل عندنا في أول مرة و لا إذا ترك الصلاة و لم يعزر و إنما يجب القتل إذا تركها مرة فعزر ثمّ تركها ثانية فعزر ثمّ تركها ثالثةً فعزر فإذا تركها أربعة رابعة فإنه يقتل، و نسب الى بعض الجمهور يقتل أول مرة).

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ باب 7 تحريم إضاعة الصلاة/ ج 3/ ص 19/ ح 6، عيون الأخبار/ ص 200.

(2) مستدرك الوسائل/ المحدث النوري/ ج 3/ ص 44/ باب ثبوت الكفر و الارتداد بترك الصلاة الواجب جحوداً.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 19/ ح 7/ باب تحريم اضاعة الصلاة و وجوب المحافظة عليها، و تكملة الحديث

(فالويل لمن لم يحافظ على صلاته و اداء سنته)

. (4) البحار/ ج 82/ ص 214/ رواية 28/ باب 1.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 6

حكم تارك الصلاة

لا ريب أنّ ترك الصلاة إنكاراً لتشريعها من اللّه تعالى و جحوداً لفرضها على العباد كفر عند المسلمين و خروج عن الإسلام بإجماع علماء الدين، و أما من تركها تكاسلًا أو تشاغلًا عنها أو لاعتقاده بعفوه عنها مع إيمانه بتشريعها و اعتقاده بوجوبها فهو لم يخرج عن الإسلام.

و يدل على ذلك ما عن الكافي في الصحيح عن ابن سنان أن الإمام أبا عبد اللّه (عليه السلام) قال:

(من أرتكب كبيرة

من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام و عذب أشد العذاب، و إن كان معترفاً أنه أذنب و مات عليه أخرجه من الإيمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول)

«1» نعم يستحق تاركها المعتقد لوجوبها التعزير و القتل بعد الثلاث أو الأربع على ما سيجي ء بيانه في كتاب الحدود و التعزيرات، و الحاصل أن حال تركها من المعتقد لوجوبها كحال غيره من الكبائر الموجبة لذلك، و أما إطلاق الكفر عليه ليس إلّا كإطلاقه على غيره من فعل الكبائر و ترك الفرائض ليس المراد به إلّا المبالغة في عظم الذنب.

و قد روي عن علي (عليه السلام) إنه قال:

(علموا صبيانكم الصلاة و خذوهم بها اذا بلغوا ثماني سنين)

«2» و احتمال اختصاص الصلاة بهذا الحكم أعني كون تركها موجباً للكفر الحقيقي المرتّب عليه وجوب القتل و النجاسة و استحقاق الخلود في النار لا وجه له، إذ ليس للإسلام حقيقة سوى الإقرار باللسان و الاعتقاد بالجنان و هو متحقق في تاركها فيكون مسلماً لا كافراً، نعم لو تركها على جهة الاستحلال و إن فعلها غير داخل في الإسلام كان كافراً لأن يستلزم الجحود بالرسالة و عدم الإقرار بالإسلام، نعم قد نعتبر عدم ترك الصلاة في مفهوم الإيمان إذ لو اعتبر في الإسلام لاستلزم كفر غالب المسلمين، فالعمل على ما عليه أصحابنا من عدم الكفر بمجرد الترك و حمل الكفر الوارد في تركها على معنى الكفر الوارد في غيرها من الكبائر فالمراد من الكفر المبالغة في عظم الذنب و كفى العقل شاهداً بفضلها على سائر الأعمال من حيث اشتمالها على أكثر الطاعات من الإقرار بالعقائد الدينية و مكارم الأخلاق من الخضوع و الخنوع

و التذلل بالقيام و الركوع و السجود، و وضع أشرف أعضاء البدن على التراب و اشتمالها على أكثر المستحبات كقراءة القرآن و الدعاء و التسبيح و التهليل و التكبير و المدح و الشكر و الصلاة على النبي و آله الى غير ذلك من أفعال القلب و اللسان و أفعال سائر الأركان و المحكي عن خبر مسعدة بن صدقة سأل الإمام أبا عبد اللّه (عليه السلام): (ما بال الزاني لا تسميه كافرا و تارك الصلاة قد سميته كافراً و ما الحجة في ذلك، فقال (عليه السلام):

(لأن الزاني و ما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة، لأنه تغلبه، و تارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافاً بها، لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا و هو مستلذ لإتيانه إياها و قاصداً إليها، و كل من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج 3/ ص 13/ ح 8/ باب استحباب امر الصبيان بالصلاة، الخصال/ ج 2/ ص 1604.

(2) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ باب 11/ ج 2/ م 3/ ص 28/ ح 2، من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 67، قرب الأسناد/ المحدث الحميري/ ص 24

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 7

يكون قصده لتركها اللذة، فإذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف، و إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر)

«1» الصلاة قبل الإسلام

إن الصلاة قد شرعت قبل الإسلام كما قد دل على ذلك صريح القرآن الكريم، و لا بد أن يكون تشريعها بكيفيات خاصة و بأعداد مخصوصة، و في التحفة الأحمدية ما حاصله: أن أول من صلى الصبح آدم (عليه السلام) و كان لا يعرف ظلمة الليل فلما رآها خاف أن تكون من أجل خطيئتهِ فبات مغشياً عليه، فلما أصبح

رأى ضوء الفجر صلى ركعتين شكراً لله تعالى.

و أول من صلى الظهر إبراهيم (عليه السلام) لما فدى ولده بذبح عظيم، و كان قد أصابته هموم أربعة: ذبح ابنه، و خوفه من عدم رضوان ربه، و وجد والدة ابنه، و شماتة عدوه إبليس، فلما زالت همومه الأربعة صلّى في الظهر أربع ركعات شكراً لله تعالى على زوالها.

و أول من صلى العصر سليمان (عليه السلام) لما رد اللّه تعالى عليه ملكه، و كبت عدوه، و أسال له عين القطر و تاب عليه فصلى في العصر أربع ركعات لهذه النعم الأرْبع، و أول من صلى المغرب عيسى (عليه السلام) لما قيل له أنه ثالث ثلاثة ليظهر كذبهم و افترائهم و ليظهر عبوديته.

و أول من صلى العشاء يونس (عليه السلام) لما أخرجه اللّه من الظلمات الثلاث و أنبت عليه شجرة اليقطين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ ص 41/ رواية 4463/ باب 11.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 8

و في البحر الرائق أن صلاة الفجر أول من صلاها آدم (عليه السلام) حين أهبط من الجنة. و عن الإقناع عن شرح المسند أنّ الظهر كانت صلاة داود، و العصر كانت صلاة سليمان و المغرب كانت صلاة يعقوب، و العشاء كانت صلاة يونس، و قيل أن الظهر كانت صلاة إبراهيم (عليه السلام) و العصر للعزير، و قيل ليونس و المغرب لعيسى و قيل لداود، و العشاء لموسى و قيل أن العشاء خاصة بنبينا (ص)، و ليس لنا و لا لهم دليل على ذلك يمكن الاعتماد عليه إلّا أن الذي ظهر لنا من دراستنا للأناجيل و التوراة أن الصلاة عبارة عن التكلم مع اللّه (عز و جل) و طلب ما يحتاج إليه الإنسان لجسده

و لروحه مع تمجيد اللّه تعالى و الشكر له و خلوص النية و طهارة التفكير و لا يشترط فيها أن يكون جسد الإنسان بكيفية خاصة فيجوز لمن يصلي عندهم أن يركع أو يقف أو يسجد أو يغمض عينيه أو يرفعهما الى السماء أو يبسط كفيه نحو السماء أو يجمعهما، و هي عندهم تتنوع حسب الظروف و تتغير حسب تقدم الناس في الحياة و اختلاف آراءهم و أفكارهم، و عندهم خير الصلاة هو شدة التوجه فيها لا بطولها و لا بكثرة كلماتها، و يأتون بها لنوال البركة من اللّه تعالى و النصر على الأعداء و لطلب الولد و لرفع الجوع و كفارة عن المعصية كالقتل، و لغير ذلك من حوائجهم، كما إنه يظهر منهم أن الصلاة التي تكون فيها النيابة عن الغير و باسم الغير تقتضي أن يتصوّر نفسه نفس الغير و أنه تجسدت روح الغير فيه، و لا تنحصر الصلاة عندهم في موضع خاص و لا في زمن معين بل تجوز عندهم في أي موضع كان و في أي وقت يكون و لكن اللائق عندهم حفظ أوقات معينة للصلاة، فإن اليهود يصلون عند الساعة الثالثة و السادسة و التاسعة من النهار و عند بداءة الليل و نهايته و عند متناول الطعام، و عند المسيحيين في طقس الشرقيين الروم الصلاة المسماة بالباركليسي، المفروضة إقامتها عندهم كل يوم بعد صلاة الغروب في مدة الأربعة عشر يوماً التي يصومونها للسيدة مريم العذراء مبتدئين بها من أول شهر آب، تتضمن طلبات و توسلات ثمّ في أواسط هذه الصلاة يصرخ المرتل بأعلى صوته قائلًا: (فلتخرس شفاه الذين لا يسجدون لأيقونتك المقدسة يا والدة الإله التي صوّرت من لوقا الإنجيل الكلي

الطهر التي بها اهتدينا الى الأمانة المستقيمة)، و حينئذ كل من في الكنيسة يسجد و يقبل الأرض أمام تلك الصورة لمريم المنصوبة أمام الهيكل على مائدة مرتفعة و هي مغطاة الرأس و الشموع متقدة أمامها.

وقت تشريع الصلاة في الإسلام

و الذي يظهر من الأخبار أن الصلاة شرعت في أول البعثة، فإنها دلت على أن النبي (ص) لما أتى له سبع و ثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتياً أتاه فيقول يا رسول اللّه فينكر ذلك، فلما طال عليه الأمر كان يوماً يرعى غنماً لأبي طالب بين الجبال فنظر الى شخص يقول له يا رسول اللّه فقال له من أنت قال أنا جبرائيل أرسلني اللّه إليك ليتخذك رسولًا، فأخبر النبي (ص) خديجة بذلك، فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك، و كان يكتم رسول اللّه (ص) ذلك فنزل عليه جبرائيل بماء من السماء و علمه الوضوء بأن يغسل الوجه و اليدين من المرفقين و مسح الرأس و الرجلين الى الكعبين، و علّمه الركوع و السجود، و لما تمَّ عمره الشريف أربعين سنة بعثه اللّه للعالمين رسولًا يوم الاثنين سبعة و عشرين من رجب، و علّمه جبرائيل إذ ذاك حدود الصلاة و لم ينزل عليه أوقاتها فكان يُصلي ركعتين بالغداة و ركعتين بالعشي، و كانت الصلاة فرضاً عليه و سنة لأمته، ثمّ فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه و معراجه، و في اليوم الثاني من البعثة و هو يوم الثلاثاء دخل عليه علي (عليه السلام) فلما نظر إليه يصلّي قال: يا أبا

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 9

القاسم ما هذا؟ قال: هذه الصلاة التي أمرني اللّه بها فدعاه الى الإسلام فأسلم و صلى معه، و أسلمت خديجة، فكان لا يصلي

إلّا رسول اللّه و علي الى جنبه و خديجة الى خلفه. و لما مضى على ذلك أيام دخل أبو طالب الى منزل رسول اللّه (ص) و معه جعفر، فنظر الى رسول اللّه و علي بجنبه يصلّيان فقال أبو طالب لجعفر: (صل جناح ابن عمك) أي قف بجنب رسول اللّه (ص) في الجانب الآخر ليتم جناحاً رسول اللّه (ص)، فكان علي (عليه السلام) الى جانب رسول اللّه (ص) و جعفر الى جانب رسول اللّه الآخر، و قد تكرر هذا العمل من أبي طالب (عليه السلام)، ففي الخبر أنّ أبا طالب خرج من منزله في شدة القيظ متفقداً النبي (ص) و علياً (عليه السلام) حتى صار الى جبل من جبال مكة فصعد مع جماعته الى قمته فإذا النبي (ص) و علي (عليه السلام) عن يمينه و هما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان و يسجدان، فقال أبو طالب لجعفر ابنه: (صل جناح ابن عمك ففعل) «1» و في خبر آخر: مرّ أبو طالب و معه ابنه جعفر بالنبي (ص) و هو يصلي و علي (عليه السلام) عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر: (صل جناح ابن عمك ففعل) «2»

ثمّ أسلم زيد بن حارثة عبد رسول اللّه (ص) فكان يصلي خلف رسول اللّه (ص) علي (عليه السلام) و جعفر و خديجة و زيد بن حارثة و أتى على ذلك ثلاث سنين بعد البعث متخفياً خائفاً من قريش و طواغيتها و من الناس و جبابرتهم، و يترقب أمر ربه لينجز رسالته على الوجه الأكمل فأنزل اللّه تعالى فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنّٰا كَفَيْنٰاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «3» و كان الذين استهزءوا برسول اللّه (ص) خمسة، الوليد بن المغيرة، و العاص

بن وائل، و الأسود بن المطلب، و الأسود بن عبد يغوث، و الحارث بن طلاطلة الخزاعي، فقام رسول اللّه (ص) على الحجر و قال:

(يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم الى شهادة أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه و آمركم بخلع الأنداد و الأصنام فأجيبوني تملكون بها العرب و تدين لكم العجم و تكونون ملوكاً في الجنة)

فاستهزءوا منه و قالوا: (جُنَّ محمد بن عبد اللّه و لم يجسروا عليه خوفاً من أبي طالب (ع)، و كان النبي (ص) إذا صلى صلى بين الركنين الأسود و اليماني و جعل الكعبة بينه و بين الشام بحيث يكون اتجاهه (ص) في صلاته للكعبة و بيت المقدس ما دام في مكة المكرمة. و في ذات يوم دخل (ص) الكعبة و افتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقدم الى هذا الرجل فيفسد صلاته عليه فقام ابن الزبعري و ألقى عليه فرثاً، و جاء أبو طالب (ع) و قد سل سيفه و أمر عبيده أن يلقوا السلا عن ظهره و يغسلوه، ثمّ أمرهم أن يأخذوه فيمروا على أسبلتهم بذلك) «4» و يروى عن عفيف التاجر أنه قال: (قدمت منى أيام الحج و كان العباس بن عبد المطلب تاجراً فأتيته

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 8/ باب 1/ ص 288/ رواية 10686.

(2) وسائل الشيعة/ ج 8/ باب 1/ ص 288/ رواية 10686.

(3) سورة الحجر- آية (94).

(4) البحار/ ج 18/ ص 181/ رواية 18/ باب: 1.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 10

أبتاع منه و أبيعه فبينما نحن كذلك إذ خرج رجل من خباء فنظر الى السماء، فلما رأى الشمس قد زالت قام يصلي تجاه الكعبة ثمّ خرجت امرأة فقامت تصلّي و

خرج غلام يصلي معه فقلت: (يا عباس ما هذا الدين، فقال: هذا محمد بن عبد اللّه يزعم أن اللّه أرسله و هذه امرأته خديجة آمنت به، و هذا علي بن أبي طالب آمن به) «1»، و عن المناقب لابن شهرآشوب أنّ النبي (ص) لم يشرع من العبادات مدة إقامته بمكة إلا الطهارة و الصلاة، و كانت فرضاً عليه و سنة لأمته، ثمّ فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه الى أن قال: فلما تحوّل (ص) للمدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية عشر من الهجرة في شعبان، و في هذه السنة حوّلت القبلة و فرض زكاة الفطر و شرع فيها صلاة العيد، و كان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلًا من صلاة الظهر، ثمّ فرضت زكاة الأموال، ثمّ الحج و العمرة، ثمّ فرض الجهاد، ثمّ ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) و نزل قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «2»

و الحاصل: أن الصلاة قد شرعت في الإسلام في أول البعثة ركعتين بالغداة و ركعتين بالعشي فرضاً على النبي (ص) و سنة على أمته، و لكن تشريع وجوبها و عددها الخمس بهذه الكيفية في ليلة الإسراء و المعراج، و قد كان إسراؤه بعد وفاة عمه أبي طالب (عليه السلام) و وفاة زوجته خديجة (ع)، و عليه فلا وجه لما ذكره بعضهم من أنه افتقده في هذه الليلة أبو طالب و جعل يبحث عنه. و توضيح الحال أن أبا طالب قد مات قبل الهجرة بثلاث سنين و أربعة أشهر، ثمّ ماتت زوجته خديجة (ع) بعده بثلاثة أيام و قد سمى النبي (ص) هذا العام بعام الحزن، و بعد موت أبي طالب بقي النبي بمكة خائفاً من الناس مترقباً لأمر

ربه ثلاثة أشهر و ثلاثة أيام، ثمّ خرج الى الطائف و معه زيد بن حارثة، فأقام بها شهراً و رجع الى مكة لما لاقاه من الأذى في الطائف، ثمّ بقي في مكة سنة و نِصْفَ السنة فأسري به الى بيت المقدس و رجع في الليلة نفسها لمكة المكرمة، و بقي بها سنة و أربعة أشهر إلا ثلاثة أيام، ثمّ أمره اللّه تعالى بالهجرة بعد أن قام بمكة ثلاث عشرة سنة من مبعثه (ص).

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) سورة المائدة- آية (3).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 11

ليلة الإسراء و المعراج و تحقيقها و بيان المعراج

إنّ ليلة الإسراء هي الليلة التي أسرى اللّه تعالى نبيه محمد (ص) مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بأخذ جبرائيل له (ص)، فلما انطلق به جبرائيل مرّ به على مسجد الكوفة فقال له جبرائيل:

(يا رسول اللّه أنت الساعة مقابل مسجد كوفان فانزل فصلِّ فيه)

فنزل (ص) و صلى فيه ركعتين، ثمّ انطلق به نحو بيت المقدس فصلى فيه ثمّ عرج به نحو السموات العلى، و لما بلغ البيت المعمور و حضرت الصلاة أذن جبرائيل و أقام، فتقدم رسول اللّه (ص) فصلى (ص) بالصفوف التي خلفه من الملائكة و النبيين ثمّ لما وصل به الى سدرة المنتهى قال:

(تقدم يا محمد فليس لي أن أجوز هذا المكان)

فتقدم رسول اللّه (ص) ما شاء اللّه أن يتقدم الى أن دنا من مقام النور الإلهي فَتَدَلّٰى فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ، ثمّ نزل (ص) حتى تلقاه جبرائيل عند السدرة المذكورة فصحبه حتى هبط به الى الأرض في الليلة المذكورة نفسها للمكان الذي أخذه منه و هو مكة المكرمة، و أوى (ص) الى فراشه، حتى روي أنه (ص) صلى الفجر من تلك الليلة بمكة المكرمة، ثمّ أنهم

اختلفوا في تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء المذكور فعن الحسن و قتادة أنها ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين، و قيل بستة أشهر، و في رواية مرسلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنها بعد البعثة بثلاث سنين، و في البحر الرائق أنها ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خَلَت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً) «1» و عن السدي و الواقدي أنها ليلة السبت السابع عشر من شهر رمضان قبل الهجرة بستة أشهر بعد العتمة «2»

و الظاهر أنها هي الليلة السابعة و العشرون التي قبل الهجرة بسنة، و هو الذي بنى عليه أكثر أهل السنة إن لم نقل كادَ أن يكون متفقاً عليه، و هو الذي يظهر من صاحب البحار حيث عبر: (أنهم قالوا كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة)، فإن إتيانه بضمير الجمع يوجب الظهور في ذهاب نوع العلماء الى ذلك.

و ذكره صاحب الإقناع على سبيل إرسال المسلمات، و ذهب الى ذلك ابنا طاوس من أنه قبل الهجرة بسنة إلا إنهما ذكروا أن ذلك كان في الليلة السابعة عشرة من شهر ربيع الأول، و لكن بيان أنّ من قال بكونه قبل الهجرة بسنة و التزم بكون مبعثه (ص) في اليوم السابع و العشرين من رجب لا بد له من القول بكون إسراءه (ص) و عروجه (ص) في ليلة هذا اليوم، أعني اليوم السابع و العشرين من رجب، و هما ممن يلتزمان بذلك لكون الشيعة اتفقت على أن مبعثه في ذلك اليوم، و إذا ثبت أن المشهور هو ذلك، فالعمل عليه حيث أن أرباب التواريخ و السير يأخذون بما اشتهر إذا لم تقم الحجة المعتبرة على خلافه، بل لعل الكثير

من القضايا ما يؤيد ذلك و يؤكده، ثمّ أن الظاهر أن المعراج قد وقع في ليلة اليوم السابع و العشرين من رجب و قد ذهب الى ذلك جماهير أهل السنة و لذا نجدهم يقيمون معالم الفرح و الزينة في البلاد الإسلامية في هذه الليلة بهذه المناسبة.

______________________________

(1) البحار/ ج 18/ ص 302/ رواية 4/ باب 3.

(2) العتمة و هي وقت صلاة العشاء.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 12

و أما عند الشيعة فلا بد لهم من الالتزام بذلك لأنه لا ريب عندهم في كونه مبعثه (ص) في اليوم السابع و العشرين من رجب، و هجرته (ص) بعد مبعثه (ص) بثلاث عشرة سنة عند جماهير المؤرخين فلا محالة تكون هجرته (ص) في اليوم السابع و العشرين من رجب، و إذا كانت ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة كانت لا محالة واقعة ليلة اليوم السابع و العشرين من رجب و إلا لم تكن قبلها بسنة، هذا و قد عيّن بعض المؤرخين هذه السنة التي وقع فيها المعراج بالتأريخ الميلادي بعام (621) ميلادية.

و يمكن أن يقال، بل قد قيل أن اختلاف الأخبار في سنة المعراج و شهره و يومه من جهة تعدده، فإن في بعض الأخبار أنه عرج النبي (ص) مائة و عشرين مرة و على هذا الأساس سمي المعراج الأول بمعراج العجائب و ما عداه بمعراج الكرامة، و كيف كان فتشريع الصلوات الخمس كان في معراج الأول في مكة المكرمة قبل الهجرة بسنة، فهي أول عبادة كانت مفروضة على المسلمين.

كما أن الظاهر أن المعراج كان من دار أم هاني أخت علي بن أبي طالب (ص) و أخت النبي (ص) من الرضاعة، و زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، و أنه

كان هبوطه (ص) بعد المعراج في دارها أيضاً و آوى الى فراشه، و على ذلك أكثر المفسرين و المؤرخين و لذا التجأ بعضهم كصاحب البحار الى تأويل المسجد الحرام في الآية المباركة بمكة لأن دار أم هاني ليست في المسجد الحرام و إنما هي في مكة خارج المسجد الحرام.

و التحقيق أنه لا حاجة لهذا التأويل لما ذكره جمهور المتأخرين من أنه (ص) بعد أن صلى العشاء نام في بيت أم هاني فهبط عليه الأمين جبرائيل و ايقظه و أخذ بيده مسرعاً الى حيث الحطيم حول الكعبة فعرج به الى المسجد الأقصى و بهذا نجمع بين القول بكونه (ص) أسري به من المسجد الحرام و بين القول بكونه (ص) أسري به من خارج المسجد، و المراد بالمسجد الأقصى هو بيت المقدس، و لقب بالأقصى لبعد المسافة بينه و بين المسجد الحرام. و ذكر بعضهم أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاتين، صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة قبل غروبها، و أول صلاة فرضت و صلاها النبي (ص) هي الصلاة الواقعة في الظهر و هي المسماة بالصلاة الوسطى لأنها وسط النهار، و قيل أن أول صلاة فرضت و صلاها جبرائيل (عليه السلام) بالنبي (ص) ليلة المعراج هي الظهر، و في يوم الجمعة تكون صلاة الوسطى هي الجمعة لو تم شرائط وجوبها لأنها هي التي تكون وسط صلاتين. و أن اللّه تعالى أول ما بدأ بصلاة الظهر بقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1» و هذا لا ينافي كون المعراج ليلًا إذ لعل الصلوات

______________________________

(1) سورة الأسراء- آية (78).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 13

الخمس قد صلاها جبرائيل بالنبي لتعليمه. و في الخبر

(أنه لما أُسري بالنبي (ص) كان

أول صلاة فرضها اللّه عليه هي صلاة الظهر و قد صلاها بالملائكة)

«1» و أما عن العلل بسنده عن سعيد بن المسيب قال: (سألت علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه، فقال (عليه السلام):

بالمدينة حيث ظهرت الدعوة و قوي الإسلام و كتب اللّه على المسلمين الجهاد)

«2» فالظاهر أن المراد من هذا الخبر ليس خصوص الصلوات الخمس، و إلا فالإجماع كاد أن ينعقد على أنها قد فرضت بمكة ليلة الإسراء، و إنما المراد به الصلوات بجميع أنواعها حتى صلاة العيد و حتى بجميع شرائطها كالتوجه للكعبة و نحوه.

أو المراد منه فرضها بمظهرها الجذاب و عدم التخوف و التحرج في فعلها، و لذا نجده (عليه السلام) قد قرن ذلك بالجهاد، و إلّا فلا إشكال في أن الجهاد كان فرضه بعدها.

ثمّ أنه عن جماعة أنه لما نزل قوله تعالى وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلٰاةِ «3» كان رسول اللّه (ص) يأتي باب فاطمة و علي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول:

(الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

«4» و ذكر بعض المؤرخين أنه لما توجه النبي (ص) للمدينة و مرّ بقرية قباء و بقي فيها أربعة أيام ارتحل منها يوم الجمعة و صلى بالمهاجرين و الأنصار أول جمعة بمسجد بني سليم، ثمّ صلى أول جمعة بالناس بمسجد الجمعة الواقع في بطن وادي إنما أضاف إليها عن يسار الذاهب الى قباء.

كما أن الظاهر أنّ صلاة الأموات لم تفرض إلّا في المدينة، و لذا لم يصلِّها النبي (ص) على زوجته خديجة و لا على عمه أبي طالب و إنما دعا لهما، و كان الدعاء للميت في صدر الإسلام

هو الصلاة عليه، و كان (ص) يصلي في مكة الى بيت المقدس مدة إقامته بها ثلاث عشرة سنة و لا يجعل الكعبة بينه و بينه بحيث تكون صلاته لهما.

______________________________

(1) البحار/ ج 18/ ص 366/ رواية 71/ باب 3.

(2) البحار/ ج 19/ ص 117/ رواية 2/ باب 7.

(3) سورة طه ج آية (132).

(4) وسائل الشيعة/ ج 27/ باب 13/ ص 189/ رواية 33565.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 14

تحويل القبلة من المسجد الأقصى الى الكعبة المشرفة

و لما هاجر النبي (ص) الى المدينة صلّى الى بيت المقدس و كان يجعل الكعبة خلف ظهره، و بعد رجوعه من بدر حول اللّه تعالى وجه نبيه الى الكعبة في مسجد بني سالم بن عوف من الأنصار فإنه لما صلى من الظهر ركعتين نزل عليه جبرائيل فأخذ بِعضديهِ و حوّله الى الكعبة و استقبل الميزاب، و كان (ص) صلى ركعتين الى بيت المقدس و ركعتين الى الكعبة فلذلك سمي المسجد بمسجد القبلتين، و قد بلغ الخبر مسجد بني عبد الأشهل و هم من الأنصار أيضاً، و قد صلى أهله من العصر ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم أن نبيكم قد صرف الى الكعبة، فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين الى الكعبة فصلوا صلاة واحدة الى القبلتين، و قد سمي مسجدهم بمسجد القبلتين كما في رواية أبي بصير. و روي عن الصدوق أنهم قد تخيلوا أن صلاتهم لبيت المقدس كانت فاسدة فأنزل اللّه تعالى وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ «1»، و المحكي عن محمد بن حبيب الهاشمي مولاهم المتوفى في سنة 245 أن الصلاة حُولت في الظهر الى الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فقد زار رسول اللّه أم بِشر بن

البَراء بن معرور في بني سَلَمة فتغدى هو و أصحابه و جاء الظهر فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر الى الشام ثمّ أمر أن يستقبل الكعبة و هو راكع في الركعة الثانية، فاستدار الى الكعبة فدارت الصفوف خلفه، ثمّ أتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين، و المحكي عن الواقدي أن هذا كان يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً بعد الهجرة للمدينة المنورة، و عن علي بن ابراهيم القمي باسناده الى الصادق (عليه السلام)

(بعد سبعة أشهر)

، و عن الصدوق في الفقيه بعد تسعة عشر شهراً. و عن البراء بعد ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، و عن السُّدي بعد ثمانية عشر شهراً من الهجرة، و على كلٍ فالظاهر هو أنه كان في السنة الثانية من الهجرة للمدينة المنورة بعد رجوعه من غزوة بدر الصغرى، و في هذه السنة الثانية كان بناء مسجد قباء فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه لما صرفت القبلة الى الكعبة أتى رسول اللّه (ص) مسجد قباء فقدم جدار المسجد الى موضعه اليوم و أسسه بيده، و كان ينقل الحجارة بيده الشريفة و كذا أصحابه لبنائه، و كان (ص) يأتيه كل سبت ماشياً. و قال أبو أيوب الأنصاري أنه هو المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوىٰ. و في هذه السنة فرض صوم شهر رمضان في شعبان بعد ما صرفت القبلة الى الكعبة بشهر و في هذه السنة أمر رسول اللّه (ص) بزكاة الفطر قبل أن يفرض الزكاة في الأموال، و في هذه السنة خرج رسول اللّه (ص) يوم العيد فصلى بالناس صلاة العيد و حملت بين يديه العنزة الى المصلى فصلى إليها، و في هذه السنة كانت

غزوة بدر كما عرفت.

______________________________

(1) سورة البقرة- آية (143).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 15

الصلاة الوسطى

و الظاهر أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر «1» و في بعض الأخبار ما يدل على أن صلاة العصر إنما أمر اللّه تعالى بها لأن العصر هي الساعة التي أكل فيها آدم (عليه السلام) من الشجرة و أخرجه اللّه (عز و جل) من الجنة.

رد الشمس للإمام علي (عليه السلام)

كاد يبلغ حد التواتر من طرق العامة و الخاصة أن النبي (ص) صلى الظهر بالصهباء، ثمّ أرسل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حاجة، فرجع و قد صلى النبي (ص) العصر، فوضع النبي (ص) رأسه في حجر علي (ص) فلم يحركه حتى غابت الشمس و صلى (ص) بالإيماء صلاة العصر، فلما أفاق النبي (ص) قال:

اللهم أردد الشمس لعلي

، فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال و على الأرض ثمّ قام علي (عليه السلام) فتوضأ و صلى العصر ثمّ غابت. و قد رأى هذه الكرامة جملة من علماء العامة منهم الطحاوي الحنفي و ابن المغازلي الشافعي و الحافظ الشافعي و الطبري و المحقق القوشجي و السخاوي و السيوطي و غيرهم من علماء الحديث، و قد صنف الحافظ السيوطي في هذا الحديث رسالة مستقلة سماها (كشف اللبس عن حديث رد الشمس). و صححه جملة من العلماء كالقاضي عياض و أبي القاسم العامري و الحاكم النيسابوري و الصالحي و غيرهم.

______________________________

(1) انظر وسائل الشيعة: مج 2/ ج 1/ ص 14/ باب 5، حديث 3.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 16

أقسام الصلاة

اشارة

الصلاة على قسمين:

الأول: الواجبة التي لا يجوز تركها و تسمى بالفريضة و المفروضة.

الثاني: المندوبة التي يجوز تركها و يطلب فعلها و تسمى بالنافلة و المسنونة و المستحبة و المتطوّع بها و المرغّب فيها.

أما القسم الأول و هو الصلاة الواجبة أي ما يلزمه الإنسان فتنقسم بحسب أسباب وجوبها الى أثنى عشر قسماً، صلاة الظهر و هي الصلاة الوسطى كما هو المشهور عند أصحابنا و لصحيح زرارة عن أبي جعفر قال:

(و الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر)

«1» و العصر و المغرب و العشاء و تسمى بالعتمة، و الصبح و تسمى بصلاة

الفجر، و الغداة و صلاة الجمعة و العيدين عند اجتماع شروط وجوبها منها حضور الإمام (عليه السلام) أو نائبه، و الآيات من كسوف و خسوف و الزلزلة و سائر أخاويف السماء و الطواف الواجب، و ما يلتزمه الإنسان بإجارة أو بنذرٍ أو بشبهة أو بإفساد أو باشتراط في عقد لازم أو نحو ذلك.

و الصلاة الواجبة قضاء من تلك الفرائض و الصلاة التي تجب على الولد قضاءً عن والده. و أما صلاة الأموات فهي ليست بصلاة و إنما هي تكبيرات و صلوات على الرسول (ص) و سائر الأنبياء و دعاء. وفاقاً لأكثر المتأخرين و يدل على ذلك قوله (عليه السلام):

(لا صلاة إلا بطهور و لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب و لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد)

«2» و روي عنهم (عليه السلام) في تعريف الصلاة

(تحريمها التكبير و تحليلها التسليم)

«3» هذا في الحضر و عند الأمان.

و أما في السفر و الخوف فتقصر الظهر و العصر و العشاء و لا خلاف بين المسلمين في ذلك للكتاب و السنة و الإجماع، بل يجب التقصير فيما عدا الأماكن الأربعة، بل يجب التقصير في السفر عند الإمامية و وافقهم الكثير من أهل الخلاف. و في صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام):

(الصلاة ركعتان في السفر ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب ثلاث ركعات)

«4» أن قلت أن قوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا «5» يدل على الجواز قلنا قد أجاب عن ذلك الإمام أبي جعفر (عليه السلام) بما يدل أن هذا التعبير قد استعمل في القرآن الكريم في الوجوب كما في قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا «6» و الطواف واجب فكذا

التقصير في السفر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 5/ ص 23/ رواية 4409.

(2) البحار/ ج 80/ ص 238/ رواية 13/ باب 2.

(3) البحار/ ج 80/ ص 236/ رواية 9/ باب 2.

(4) البحار/ ج 89/ ص 64/ رواية 33/ باب 1.

(5) سورة النساء- آية (101).

(6) سورة البقرة- آية (158).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 17

و أما القسم الثاني و هو النوافل و تسمى بالصلاة المندوبة و بالمرغبات فهي تنقسم بحسب أسباب استحبابها الى نوعين، لأن ما كان منها تابع للفرائض اليومية في المشروعية قبلًا أو بعداً و تسمى بالرواتب و ما كان منها ليس كذلك فغير رواتب. و الرواتب اليومية في الحضر أربع و ثلاثون ركعة ضعف الفرائض اليومية في الحضر و في الحسن عن الفضل بن شاذان عن الصادق (عليه السلام) قال:

(الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة و النافلة أربعة و ثلاثون)

و دل على ذلك كثير من الأخبار معتضدة بعمل الأصحاب و ما خالفها من الأخبار يقتضي الحمل على تأكد الاستحباب و مراتب الفضيلة و هي ثماني ركعات لصلاة الظهر قبلها بعد الزوال و ثمان ركعات لصلاة العصر قبلها بعد دخول وقت العصر كما هو المشهور و استفاضت به النصوص، و هي نوافل للفريضة لا للوقت فعن المهذب البارع أن عليه عمل الطائفة على أن اعتبار القبلية يقتضي كونها نافلة للفريضة لا للوقت إذ لو كانت للوقت لصح وقوعها في الوقت بعد الفريضة.

و دعوى أنه ورد في بعض الروايات إضافة النوافل المذكورة الى الزوال تقتضي كونها نوافل للوقت فاسدة إذ لا ريب في صحة اضافتها للوقت لتوقيتها به و عدم صحتها قبله، و أربع ركعات لصلاة المغرب بعدها

و عليه عمل الطائفة و في رواية الحارث النضري عن أبي عبد اللّه و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة و يسميان بالوتيرة لصلاة العشاء كما قضت به النصوص و الاجماعات المحكية و ما ورد بأن النبي (ص) لا يصلي بعد العشاء لا ينهض في معارضة ذلك على أنه يحتمل أنه من خصائص تتعلق بالوحي كما هو ظاهر المحكي خبر أبي بصير في العلل و يجوز القيام فيهما لصحيح عن الصادق (عليه السلام) ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليها و هو قاعد و أنا أصليها و أنا قائم، و ثمان ركعات صلاة الليل و ركعتا الشفع و ركعة الوتر و ركعتان لصلاة الصبح قبلها و عليه عمل الطائفة و عن الخصال عن الأعشى عن الصادق (عليه السلام) قال ثمان ركعات صلاة الليل و الشفع ركعتان و الوتر ركعة و ركعتا الفجر و قد أفتى بمضمونها الأصحاب و ادعى الإجماع في الغنية و في السفر تسقط النوافل الظهرية و العصرية و العشائية و لا ينافي ذلك ما في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): (أنه ليس يترك نافلتها) لما في سندها من الضعف، و تزيد النوافل في نهار الجمعة أربع ركعات ففي صحيحة يعقوب عن الامام موسى الكاظم (عليه السلام) قال: (سألته عن التطوع يوم الجمعة قال:

إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار، و ست ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة و ست ركعات بعد الجمعة)

«1»، و المشهور فسروا:

(الركعتين إذا زالت الشمس)

بكونهما عند قيام الشمس قبل أن يتحقق الزوال.

و أما غير الرواتب فهي أما ذات

سبب كصلاة الزيارة و الاستخارة و الحاجة و الأيام و نحوها، و أما غير ذات سبب و هي التي لم يرد فيها نص بخصوصها و إنما يستحب الإتيان بها لكون كل صلاة يستحب الإتيان بها لأنها خير موضوع، و قربان كل تقي و تسمى بالنوافل

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 7/ باب 11/ ص 324/ رواية 9481.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 18

المبتدأة، و هي لا حصر لها فقد روي عن رسول اللّه (ص):

(أن الصلاة خير موضوع من شاء استكثر و من شاء استقل)

«1» أحكام النوافل

أحدها: أن النوافل لا تزيد مطلقاً على الركعتين فيتشهد و يسلم على كل ركعتين، و هو المعروف بين أصحابنا و لما في كتاب حريز عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر (ع):

(و افصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم)

«2» و يستثنى من ذلك الوتر فلا كلام لهم فيه لما تقدم من أن الوتر عندنا ركعة واحدة، و يستثنى من ذلك صلاة الأعرابي و استثناؤها مبني على مشروعيتها و دليلها منحصر بما رواه الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت قال: (أتى رجل من الأعراب الى رسول اللّه (ص) فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه إنا نكون في البادية بعيداً من المدينة و لا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة فقال (ص):

إذا كان ارتفاع النهار فصلِّ ركعتين تقرأ في الأولى سورة الحمد، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ سبع، و في الثانية الحمد مرة و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّٰاسِ سبع فإذا سلمت فأقرأ آية الكرسي سبع، ثمّ قم فصلِّ ثماني ركعات بتسليمتين و أقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة و إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ

مرة و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ خمساً و عشرين مرة فإذا فرغت من صلاة فقل سبحان اللّه رب العرش الكريم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة، فو الذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن و لا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة إلا و أنا ضامن له الجنة و لا يقوم من مقامه حتى غفر له ذنوبه و لأبويه)

«3» و لا بأس بالعمل بهذا الخبر و إن ضعف إسناده لاعتضاده بفتوى مشاهير الأصحاب و للشهرة المصرّح بها الفاضل الشارح في الروضة و الصيمري في شرح الموجز.

و مما أستُثِني من ذلك ركعة الاحتياط لو قدر زيادتها في نفس الأمر و لعل تَرَك بعض أجلّة الفقهاء استثناءها لكونها تابعة للفريضة و منزلة منزلة الجزء منها.

و استثنى من ذلك ما رواه الشيخ في المصباح من أربع ركعات ليلة الجمعة بتسليمة واحدة و لا أعرف عاملًا بها عدا ما يحكى عن الموجز، و مما استثني من ذلك ما عن ظاهر الصدوق من صلاة التسبيح أربعاً بتسليمة واحدة و هو خلاف ما نص عليه في الفقيه و الهداية على ما حكي، و يستثنى من ذلك صلاة العيد بغير خطبة فإنه حكي عن الاسكافي أنها أربع بتسليمة و سيجي ء ما فيه بعون اللّه و تكليفه.

و استثني من ذلك ما رواه الشيخ أيضاً في محكي المصباح عن النبي (ص) في ليلة الجمعة صلاة إحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة و يقرأ في كل ركعة الحمد و الإخلاص و المعوذتين مرة مرة، و يقول بعد الفراغ ساجداً لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، و استثني من ذلك ما حكي عن السيد ابن طاوس في عمل أول

رجب عن النبي (ص) يصلى في أربع ركعات

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 5/ باب 42/ ص 248/ رواية 6461.

(2) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 46/ باب 15/ ح 3.

(3) وسائل الشيعة/ ج 7/ باب 39/ ص 369/ رواية 9604.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 19

بتسليمة في الأولى يقرأ الحمد مرة و الإخلاص إحدى عشر مرة، و في الثانية الحمد مرة و الإخلاص إحدى عشر مرة و الجحد ثلاث مرات، و في الثالثة الحمد مرة و الإخلاص عشر مرات و أَلْهٰاكُمُ التَّكٰاثُرُ مرة، و في الرابعة يقرأ الحمد مرة و الإخلاص خمساً و عشرين مرة و آية الكرسي ثلاث مرات.

و استثني بما حكي عن الشهيد في القواعد أنه قال ظاهر الصدوق أن صلاة التسبيح أي صلاة جعفر بتسليمة. لكن لا يخفى أن استناد ذلك كله الى روايات مرسلة و لم تثبت الشهرة في شي ء منها حتى تكون لها جابرة فيشكل تخصيص عموم الكلية و لذا ترك القوم استثناءها لعدم اشتهارها.

ثانيها: أن النوافل لا تنقص عن الركعتين من قيام أو جلوس إلا في الوتر التي هي بعد الشفع في صلاة الليل فإنها ركعة واحدة من قيام.

ثالثها: قد حكى جماعة الإجماع على جواز الجلوس في جميع النوافل كالوتيرة. و يدل عليه الحسن عن سهل بن الحسن أنه سأل أبا الحسن الأول (ع): (عن الرجل يصلي النافلة قاعداً و ليس به علة في سفر أو حضر قال (ع):

لا بأس)

«1» رابعها: يستحب القنوت في النوافل كلها في الركعة الثانية منها قبل الركوع و بعد القراءة، و يدل عليه ما روي عن الإمام الصادق (ع):

(اقنت في كل ركعتين فريضةً أو نافلة)

«2». و صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع):

(القنوت

في كل صلاة في الركعة الثانية)

«3» و يعضد ذلك أنه هو المعروف بين الأصحاب، و لعموم ما ذكرنا يستفاد استحباب القنوت في الوتر كما تدل عليه بعض الأخبار.

خامسها: يجوز قطع النوافل.

سادسها: تسقط عند قصر الصلاة الرباعية نافلتها دون التي لا قصر فيها كالمغرب و الصبح للإجماع، و المشهور في ركعة الوتيرة أيضاً السقوط، بل عن السرائر الإجماع عليه و كذا عن الغنية، و لما في صحيح حذيفة بن منصور و عبد اللّه بن سنان و صحيحتي أبي بصير و سيف التمار و غيرهما من قول الصادق (ع):

(الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء)

«4» و لا يعارضها ما في خبر سدير من أنه (ع) قال:

(كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل)

«5» لأحتمال أن المراد قضاء ما فاته في الحضر، أو على استحباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 5/ باب 4/ ص 492/ رواية 7143.

(2) وسائل الشيعة/ ج 6/ باب 1/ ص 263/ رواية 7909.

(3) وسائل الشيعة/ ج 2/ باب 3/ ص 266/ رواية 7923.

(4) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ م 3/ ج 2/ ص 62/ باب 22/ ح 3، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 138، من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 144.

(5) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ م 3/ ج 2/ باب 22/ ح 4، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 138، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 112

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 20

القضاء، و لا ملازمة بين مشروعية القضاء و مشروعية الأداء إذ هو تابع لفوات سبب الأداء، و لذا وجب على الحائض قضاء الصوم مع عدم صحته منها.

كما لا يعارضها ما في رواية الفضل بن شاذان

من قول الإمام الرضا قال (ع):

(إنما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتيها)

«1» لما ذكرناه من الإجماعين و الصحيح المذكور، و لما في المحكي عن حديث رجاء من عدم فعل الرضا ع لها في طريق خراسان فلا التفات بعد هذا كله الى عموم إجماع الخلاف و الأمالي على عدم السقوط لأحتمال عدم شمولها للوتيرة، و أن المراد بها نوافل الليل و هي الثماني ركعات أو الاحدى عشرة أو الثلاث عشرة مع أن في سند رواية الفضل من الكلام حيث اشتمل على ابن عبدوس و علي بن محمد، لعدم النص على توثيقهما و أن اعتذر بأنهما من مشايخ الإجازة مع شذوذ العامل به، بل لا يُعرَف غير الشيخ عامل به و قد أعرض عن ذلك فيما تأخر من كتبه على ما حكي. فلو فرض القصر للصلاة من جهة الخوف سقطت نافلة المقصورة، و لو فرض الاتمام في السفر لكونه سفر معصية لم تسقط النافلة، و لو كان مخيراً بين القصر و الإتمام كالمسافر في أحد الأماكن الأربعة كانت النافلة تابعة لإتمامه للصلاة.

سابعها: يقضي النوافل من فاتته في أي ساعة شاء ليلًا أو نهاراً ما لم يخف أو تفُته الفريضة الحاضرة، و إلا لقي اللّه تعالى مستخفاً متهاوناً مضيعاً لسنة رسوله، و ورد الأمر بالكفارة ممن لا قدرة له على القضاء و كل ذلك شاهد على فضلها. و نقل اتفاق الأصحاب على استحباب قضاء النوافل الرواتب و نقل إجماعهم على ذلك عن المعتبر و المنتهى و الروض و نقل اتفاق الأصحاب على أن تقضي نوافل النهار في النهار و نوافل الليل في الليل و يؤكد ذلك ما في الصحيح الذي حكي عن ثقة الإسلام بإسناد عن معاوية

بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع):

(اقضِ ما فاتك من صلاة النهار بالنهار و ما فاتك من صلاة الليل بالليل)

«2» ثامنها: تكره النوافل المبتدأة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس و تصفى، عند استواء الشمس في السماء إلى ان تزول، و بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، و لا تكره في هذه الأوقات و لا في غيرها قضاء النوافل و النوافل ذات الأسباب أو قضاء الصلاة أو نحو ذلك.

تاسعها: النوافل و إن وجبت بنذرٍ و نحوه لا يجب فيها الاستقبال في حال المشي أو الركوب من غير فرق بين الحضر و السفر و من غير فرق بين تكبيرة الإحرام أو غيرها و من غير فرق بين ركوبه المحل أو الطائرة أو السيارة و نحوها و بين ركوب البعير و الفرس و الحمار و نحوها، و بين كيفية الركوب و المشي المتعارفة و بين غيرها، و يجب الاستقبال في النوافل حال الاستقرار على الأحوط.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه/ الشيخ القدوس/ ج 1/ ص 147، علل الشرائع/ الشيخ الصدوق/ ص 117، وسائل الشيعة/ المحدث العاملي/ ج 3/ ص 70/ ح 3/ باب 29.

(2) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 57/ ص 276/ رواية 5151.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 21

عاشرها: حكي عن الشيخ الطوسي دعوى الإجماع على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر، و قد ورد عن الإمام علي (ع) في قوله تعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً «1»

ركعتان تشهدهما ملائكة النهار و ملائكة الليل

«2» إلا أن الأخبار الكثيرة تدل على أن المراد بقرآن الفجر هو صلاة الفجر الواجبة.

شروط الصلاة

و يشترط في الصلاة شروط:

______________________________

(1) سورة الأسراء- آية (78).

(2) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 13/ ص 52/ رواية 4491.

كتاب

الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 22

الأول: الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر للإجماع و للأخبار الكثيرة.

الثاني: الطهارة من الخبث لمسجد الجبهة، فلو صلى على النجس سواء كانت نجاسته متعدية أو لا كانت فاسدة، و حكي عدم الخلاف في ذلك عن مشاهير العلماء، و قد استدل عليه بموثقة عمار عن الإمام الصادق (ع) عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا يصيبه الشمس و لكن قد يبس الموضع القذر قال (ع):

(لا يصلي فيه و أعْلِمْ الموضع حتى تغسله)

«1» الثالث: طهارة الثوب و البدن من النجاسات ساتراً كان الثوب أو غير ساتر، و قد حكي الاجماع على ذلك في المعتبر كما حكي الشهرة على أنه لا فرق بين القليل من النجاسة أو كثيرها للأحاديث المطلقة الدالة على وجوب الإزالة من غير تفصيل، و لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب فقال (ع):

(إن كان لم يعلم فلا يعيد

) «2» و لا يخفى أنه يعلم الحكم في باقي النجاسات بالأولوية و مثلها ورد في الدم و المني و مقتضى إطلاقها عدم الإعادة في الوقت و خارجه. و يستثنى من ذلك أمور:

أحدها: الشي ء الذي لم يعلم نجاسته كما لو لم يَدْرِ أنه وقع عليه ماء أو بول أو فضلة حيوان له نفس سائلة أو ليس له نفس سائلة كالخنفساء أو شك في نفس الحيوان عن قصور لا عن تقصير كأن وقع عليه دم حية و لكن لا يدري أن الحية لها نفس سائلة حتى يكون الدم نجساً أو ليس لها ذلك فيكون طاهراً فإنه يبني على ذلك على الطهارة لقاعدتها.

ثانيها:

الجورب و التكة و نحوه مما لا تتم الصلاة به حال كونه منفرداً أي لا يصح إيقاع الرجل في حال الاختيار صلاته به منفرداً لعدم تحقق الستر به و لو تنجس بغير الدم كالخف و النعل و الخاتم و الخلخال و المنطقة و السيف و السكين، و كذا العمامة بهيئتها كالقلنسوة فإن المراد بما لا تتم الصلاة به إنما هو ما لا تتم الصلاة به من كونه باقياً على حالته و هيئته من دون تغيير و تبديل، فإنه يجوز الصلاة فيه و لو تنجس و لأنه يكون في مثل ذلك حاملًا للنجاسة للموثق عن زرارة عن أحدهما «3» (ع) قال:

(كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب)

«4»، و في الصحيح عن حماد عمن أخبره عن الإمام أبي عبد اللّه (ع) في الرجل يصلي في الخف الذي أصابه قذر فقال (ع):

(إذا كان ما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس)

«5»، و قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه لأنه لا يروي إلا عن الثقات، و لا فرق في ذلك بين كونه من الملابس أم لا و لا في الملابس بين كونها في محلها أولًا.

______________________________

(1) أعلِمِ الموضع: أي ضع عليه علامة.

(2) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 40/ ص 475/ رواية 4218.

(3) أحدهما أي الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام).

(4) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 31/ ص 455/ رواية 4160.

(5) البحار/ ج 83/ ص 262/ رواية 14/ باب 6.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 23

ثالثها: دم القروح و الجروح فإنه لو كانت على الثوب أو البدن فلا تفسد الصلاة بها، و قد نقل عدم الخلاف

في ذلك، و يدل عليه أخبار كثيرة منها صحيحة ليث المرادي، (قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع)، الرجل يكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوءة دماً و قيحاً، فقال (ع):

يصلي في ثيابه و لا يغسلها و لا شي ء عليه)

«1»، و هذه الصحيحة مع ما ماثلها من الأخبار تدل على العفو عن ذلك الى أن يبرأ الجرح و القرح، و يدل عليه ما في موثقة سماعة

(إذا كان بالرجل جرح فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى يبرأ أو ينقطع الدم)

«2» كما أنها تدل على العفو سواء شقت إزالته أم لا و سواء كان له فترة ينقطع فيها أم لا، و نقل عن الشيخ الإجماع على عدم وجوب العصب للجرح و تقليل الدم، بل يصلي كيف كان و إن سال و تفاحش، و يدل عليه ما في صحيح مسلم من قوله:

(و إن كانت الدماء تسيل)

«3» و عموم الأخبار و إطلاقها يدل على العفو لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب و البدن بأن أصاب الطاهر من ثوبه و السليم من بدنه أو ما وضع عليه من الضمادات كما هو ظاهر صحيحة ليث المذكورة، ثمّ أن هذا الدم لو أصاب إنساناً آخر وجب التطهير منه لأن الحكم خلاف القاعدة فيقتصر على محله، ثمّ أنها تدل على العفو من دم البواسير لشمول الأدلة له دون دم الرعاف للأدلة الدالة على التطهير منه. و إذا شك في دم أنه من القروح و الجروح فالأصل العفو عنه لأنه شك في وجوب التطهير منه، و الأصل البراءة كما حققناه في الشك في المانع في مبحث اللباس المشكوك.

رابعها: الدم الذي دون الدرهم البغلي، و نقل إجماع الفرقة عليه و

يدل عليه صحيحة عبد اللّه بن يعفور قال: (قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما تقول في دم البراغيث، قال (ع):

ليس به بأس

، قال: قلت أنه يكثر و يتفاحش، قال (ع):

و إن كثر

، قال: قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثمّ يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال (ع)

يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله و يعيد الصلاة)

«4»، ثمّ انه لا فرق في العفو بين أن يكون دم نفسه أو دم غيره لعموم الأدلة، و الظاهر أنّ المراد مقدار الدرهم سعة و أن مقدارها هو مقدار أخمص الراحة و الأخمص هو ما دخل من باطن الراحة و لم يصب الأرض و يستثنى من هذا الأمر الرابع الدماء الثلاثة، دم الحيض و الاستحاضة و النفاس فإنها لا يعفى عن كثيرها و لا قليلها في الصلاة و لكن لم نظفر بدليل على ذلك تطمئن له النفس، نعم حكي الإجماع على ذلك عن الغنية و عن السرائر نفي الخلاف عنه و عن المعتبر نسبة القول به للأصحاب، و استدل له بما رواه سورة بن كليب عن الصادق (ع) عن الحائض قال:

(تغسل ما أصاب ثوبها)

«5»

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 22/ ص 434/ رواية 4085.

(2) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 22/ ص 435/ رواية 4087.

(3) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 22/ ص 434/ رواية 4084.

(4) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 20/ ص 430/ رواية 4071.

(5) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 28/ ص 449/ رواية 4138.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 24

و رواية أبي سعيد عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع):

(لا تعاد الصلاة

من دم لا تبصره إلا دم الحيض فإن قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء)

«1»، و ضعفهما دلالةً و سنداً منجبر بعمل الأصحاب. و أما دم النفاس و الاستحاضة المشهور إلحاقهما بدم الحيض في عدم العفو، و عن جامع المقاصد أنه عليه الأصحاب و عن السرائر نفي الخلاف عنه و في الغنية و المختلف الإجماع و يحكى عن علم الهدى في الانتصار التردد في إلحاق دم النفاس بالحيض، فالعمدة هي الاجماعات.

و يستثنى من ذلك أيضاً دم نجس العين كدم الكلب و الخنزير و الكافر الجاحد، و حكي عن المحقق أنه ألحق بعض فقهاء العجم منا دم الكلب و الخنزير و لم يعطنا العلة، و عن ابن إدريس منعه مدعياً أنه خلاف إجماع الإمامية و الحق مع المحقق في أن أدلة العفو تشملها لأن نجاسة العين ليست نجاسة أخرى لطبيعة أخرى غير نجاسة الدم بل هي عينها. يستثنى من ذلك المحمول، و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: أن مورد الروايات و إن كان هو الثوب إلا أنه بضميمة عدم الفصل يتم المطلوب و محكي في المنتهى لا فرق بين الثوب و البدن و أسنده الأصحاب، و حكي الإجماع عن الانتصار و يشهد لذلك رواية المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد اللّه (ع) قلت: (حككت جلدي فخرج منه الدم فقال (ع)

إن اجتمع منه قدر حمصة فأغسله و إلا فلا)

«2» الثاني: إذا أصاب الدم المعفو عنه وجهيَ الثوب فإن كان في التفشي فهو دم واحد و إلا فدمان و على ذلك نقل قوله جماعة من الأصحاب.

الثالث: لو أصاب الدم المعفو عنه شيئاً رطباً ففي انسحاب العفو عنه، كلام الظاهر هو انسحاب العفو عنه

لشمول أدلة العفو له.

الرابع: لو أزال عين الدم المعفو عنه بما لا يطهره فالظاهر بقاء العفو.

الخامس: لا يشترط العفو بمشقة الإزالة و لا يجب عصب موضع الدم و لا منعه و لا تغيير الثوب و لا بالبرء و لا بالاندمال و الانقطاع لإطلاق صحيحة ليث المتقدمة، نعم مع برئه لو خرج الدم بآلة فلا يعفى عنه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 21/ ص 432/ رواية 4079.

(2) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 20/ ص 430/ رواية 4075.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 25

السادس: لو اشتبه الدم المعفو عنه بغيره فإنه يكون الشك بدوياً فأصالة الطهارة من ذلك الدم جارية، كما لو اشتبه الماء بالبول بل استصحاب عدم الإصابة بالدم الغير المعفو عنه و أصالة البراءة من المانع، و لو شك في انه أقل من الدرهم، فالأصل عدم الزيادة على الدرهم.

السابع: ذكر بعضهم أنه لو أدخل دماً نجساً أو نحوه من النجاسات تحت جلده وجب عليه إعادة كل صلاة صلاها فيه، و لا يخفى ما فيه فإن الأدلة لا تدل إلا على تطهير ظواهر البدن و أما البواطن فليس في الأدلة ما يقتضي وجوب التطهير من النجاسات.

الثامن: إذا ألحق جسمه بشي ء نجس كما لو بدلت عينه بعين ميت أو جعلت له يد ميت أو جبر عظمه بعظم نجس و مثله لو جعل له شعر ميت، نسب الى جماعة من الأصحاب وجوب القلع ما لم يلزم الضرر و الجرح لأنه صلى في النجس. و فيه أنه إذا أصبح جزء من البدن كجزئية دمه فالأدلة المانعة عن الصلاة في النجس لم يعلم شمولها لمثل ذلك، فالأصل يقتضي الجواز كما حققناه في اللباس المشكوك و يؤيد ذلك ما رواه الحسين

بن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) (أنه سأله عن الرجل يسقط سنه منه فيدخل سن الميت مكانه، قال (ع): لا بأس) «1»

التاسع: لو أصاب هذا الدم المعفو عنه نجاسة أخرى فلا يعفى عنها تبعاً له، و كذا المتنجس به لعدم شمول أدلة العفو لهما.

العاشر: الدم و النجاسة في المحمول فإنه تصح الصلاة لو كان حاملًا ثوباً متنجساً بالدم أو آلة نجسة لأن الأدلة دلت على عدم الصلاة في النجاسة و في الذهب.

الحادي عشر: أن الدم المتفرق إن كان عند جمعه أقل من الدرهم فهو معفو عنه نظير المتجمع، و استدل على ذلك بإطلاق أخبار الباب و بالصحيح الذي رواه زياد بن أبي الجلال عن عبد اللّه بن يعفور قلت لأبي عبد اللّه (ع): (الرجل يصلي و في ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله، فيصلي ثمّ يذكر، قال (ع): يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله و يعيد صلاته) «2»

و يستثنى من ذلك دم البراغيث و السمك و البق و كل ما ليس له نفس سائلة و لم يكن نجس العين لما دل على طهارة ما لا نفس له من الإجماع المنقول و ما في الأخبار كموثقة حفص بن غياث النخعي المروية في باب/ 35 النجاسات من قوله (ع): (لا يفسد الماء إلا ما كان له نفس سائلة) «3» و كموثق عمار من قوله (ع): (كل ما ليس له دم فلا بأس) «4»

و يستثنى من ذلك النجاسة التي في لباسه أو بدنه و لكنه لم يعلم بها إلا بعد صلاته كما في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة، و صحيح الجعفري عن الإمام أبي جعفر (ع) قال في الدم يكون في الثوب:

(إن كان أقل من الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته) «5»

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 31/ ص 417/ رواية 5579.

(2) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 20/ ص 430/ رواية 4071.

(3) وسائل الشيعة/ ج 1/ باب 10/ ص 242/ رواية 626.

(4) وسائل الشيعة/ ج 1/ باب 17/ ص 185/ رواية 467.

(5) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 20/ ص 430/ رواية 4072.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 26

و تدل على ذلك أخبار النسيان للنجاسة فإنها تدل على الإعادة، و النسيان للنجاسة إنما يكون بعد العلم بها كما في موثقة سماعة عن الرجل يرى بثوبه دم فينسى أن يغسله حتى يصلي قال (ع): (يعيد صلاته) «1».

و هذه الأخبار مطلقة تقتضي الإعادة حتى لو تذكر في أثناء الصلاة، نعم لو صلى بالنجاسة مع الجهل بالحكم كأن صلى بالخمر مع جهله بأن الخمر نجس أو جهل بالشرطية كأن يعلم بأن الخمر حرام و لكنه يجهل بمانعيته للصلاة فعلية الإعادة عن تقصير لأنه ليس بمعذور و كذا لو نسى، لأن النسيان لا يرفع الحكم.

و يستثنى من ذلك الثوب النجس الذي يضطر للبسه لبردٍ أو لسترٍ أو نحو ذلك و لم يكن عنده غيره فلا إشكال في صحة الصلاة فيه و لا يجب عليه الإعادة و لا القضاء.

أما مع عدم الاضطرار الى لبسه مع أنه ليس له سواه فإنه يصلي فيه لصحيح الحلبي قال سألت الإمام أبا عبد اللّه (ع) عن رجلٍ أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره قال (ع): (يصلي فيه فإذا وجد الماء يغسله) «2»، و مثله صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد

اللّه (ع) في الثوب الذي يجنب فيه و مثله صحيح ابن جعفر عن رجلٍ عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم، يصلي فيه أو يصلي عرياناً؟ قال (ع): (إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء يصلي فيه و لا يصلي عرياناً) «3»

و هذه النصوص يجب ترجيحها على معارضها لكثرتها و صحتها و صراحتها مع أن معارضها لم يكن بهذه الكثرة و الصحة و الصراحة.

الشرط الرابع: الوقت

أنّ الوقت شرط للصلوات الخمس بإجماع المسلمين بل هو من ضروريات الدين. و الوقت هو مقدار من الزمن مفروض للعمل، و جمعه أوقات، و جعل بعضهم عنوان هذا الشرط المواقيت و هو جمع لميقات، و الميقات عبارة عن الوقت المضروب للعمل أو للمكان، فكل شي ء قدرت له زمن أو مكاناً كان ذلك الزمان و المكان ميقاتاً و من ذلك يقال إن الزوال ميقات لصلاة الظهر، و منه ان الأهلة مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ و منه مواقيت للحج و هي الأماكن المعروفة التي يحرم الناس منها للحج. و التوقيت التحديد للوقت تقول وقته ليوم الجمعة إذا أجَّلته له، و يقال وقت الشي ء إذا بين حده، و ادعى بعضهم إنَّ استعمال الميقات في المكان مجازاً تشبيهاً للمكان المعين للعمل بالزمان المعين للعمل في كونه مقداراً للعمل مثل الوقت. و الموقّت هو نفس العمل الذي وقّت بزمانٍ معين اسم مفعول من وقّت كما في قوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «4» أي كتبت عليهم موقتة بوقت معين، و الحاصل أن الوقت يطلق على

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 42/ ص 480/ رواية 4232.

(2) وسائل الشيعة/ ج 3/ باب 45/ ص 484/ رواية 4240.

(3) وسائل

الشيعة/ ج 3/ باب 45/ ص 484/ رواية 4344.

(4) سورة النساء- آية (103).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 27

الزمن المخصوص للعمل، و يطلق على نفس العمل (موقَّت) اسم مفعول، و يطلق على الذي قيّد العمل بذلك الزمن موقت فوقَّت فعل جعلي مأخوذ من وقت، و اسم فاعله موقَّت، و اسم مفعوله موقَّت كما هو الشأن في كل الأفعال الرباعية المشددة الوسط مثل قدَّس و نحوها. و استشكل بعضهم في جعل الوقت شرطاً مع كونه من الأسباب. و جوابه إن الوقت يصير سبباً بالنظر الى التكليف بالصلاة و شرطاً بالنظر الى توقف صحتها عليه.

الوقت للعمل الواجب

اشارة

الوقت للواجب يتصور على أنحاء ثلاثة:

الأول: قد يكون أقل من الواجب و أنقص منه و هو محال عقلًا لأن الظرف لا يكون أقل من المظروف.

الثاني: قد يكون مساوياً له و هو ممكن و واقع في الشرع كصوم شهر رمضان و الحج و يسمى الواجب حينئذ فورياً لأنه فور دخول الوقت يجب العمل.

الثالث: قد يكون أزيد من الواجب بحيث يمكن وقوع الواجب عدة مرات فيه و قد أحاله بعض الأصوليين قائلين أن الأوامر الدالة على وجوب العمل في الوقت الموسع تحمل على أن المراد هو أول الوقت أو آخره على اختلافٍ في ذلك منهم و الأصح كما حققناه في الأصول هو إمكانه و وقوعه شرعاً.

الصلوات اليومية وقتها موسع

اشارة

و من القسم الثالث الصلوات اليومية الخمس فإنها من الواجبات الموسعة التي جعل اللّه لها وقتاً موسعاً لا يسوغ للمكلف تقديمها عليه و لا تأخيرها عنه اختياراً بإجماع المسلمين بل بضرورة الدين عدا ما ينسب لابن عباس و الشعبي و الحسن البصري من إنهم جوزوا افتتاح صلاة الظهر للمسافر قبل الزوال بقليل و هذا الخلاف منهم إن صح فإنه انقرض و اجمع المسلمون بعده على خلافه فلا تعويل عليه حتى أصبح من ضروريات الدين عدم الجواز. و يدل على ذلك صحيحة زرارة قال: (قلت لأبي جعفر (ع) أخبرني عما فرض اللّه من الصلاة قال: خمس صلوات في الليل و النهار، قلت: هل سماهن اللّه عزّ و جلّ و بينهن في كتابه، قال (ع): نعم)، قال اللّه لنبيه (ص): أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1» و دلوكها زوالها ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل أربع صلوات سماهن اللّه و بينهن و وقتهنّ، و غسق الليل انتصافه، ثمّ قال

تعالى وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً «2»، فهذا الخامس، و قال تعالى

______________________________

(1) سورة الأسراء- آية (78).

(2) سورة الأسراء- آية (78).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 28

في ذلك وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ «1» طرفاه المغرب و الغداة، وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و هي صلاة العشاء الآخرة، و قال تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ و هي صلاة الظهر «2» (و هي أول صلاة صلاها رسول اللّه (ص)) «3» و هي وسط صلاتين بالنهار، صلاة الغداة و صلاة العصر.

أوقات الصلوات الخمس

إن صلاة الظهر يمتد وقتها من زوال الشمس الى ما قبل الغروب بمقدار ما يؤدى به صلاة العصر، و صلاة العصر يمتد وقتها من بعد الزوال بمقدار ما يؤَدّى به الظهر الى المغرب، و صلاة المغرب يمتد وقتها من الغروب الى ما قبل منتصف الليل بمقدار ما يؤدي به العشاء و العشاء يمتد وقتها من بعد زمن صلاة المغرب بمقدار ما يؤدى به

______________________________

(1) سورة هود- آية (114).

(2) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج 3/ ص 14/ ح 1/ باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى/ من لا يحضره الفقيه/ الصدوق/ ج 1/ ص 63.

(3) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج 3/ ص 14/ ح 1/ باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى، الفروع/ الكليني/ ج 1/ ص 114، التهذيب/ الطوسي/ ج 1/ ص 244.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 29

صلاة المغرب الى منتصف الليل و صلاة الفجر يمتد وقتها من طلوع الفجر الصادق الى طلوع الشمس. و يدل على ذلك رواية داود بن فرقد التي رواها الشيخ الطوسي (قدس سره) بإسناده عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى و موسى بن جعفر عن عبد

اللّه الصلت عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن فرقد أبي يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر، و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس) «1» و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند لإرسالها إلا أنها صحيحة الى الحسن بن فضال و بنو فضال ممن أمرنا بأخذ رواياتهم و كتبهم كما ذكره المرحوم عبد الكريم القمي قال المامقاني (أنها منجبرة بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة و ذلك لكشف عملهم بها ثبوتها عندهم). و يدل على ذلك موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (أتى جبرائيل (ع) رسول اللّه (ص) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثمّ أتاه حين طلوع الفجر، فأمره فصلى الصبح، ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد من الظل قامتان فصلى

العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فصلى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث من الليل فأمره فصلى العشاء ثمّ أتاه حين نَور الصبح فأمره فصلى الصبح، ثمّ قال و ما بينهما وقت) ( «2» و إنما نقلنا هذه الموثقة لدلالتها على اصل المطلب. و مما يدل على أن صلاة الفجر ما ذكرناه هو صحيحة زرارة عن الباقر (ع) قال: (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس) «3» قيل و في طريق هذا الخبر موسى بن بكر لكن لما كان الراوي عنه عبد اللّه بن مغيرة و هو من أصحاب الإجماع كانت الرواية معتبرة مع عمل المشهور بها.

و الحاصل أنه لا خلاف بينهم في امتداد أوقات الصلاة اليومية المضروبة لها و زيادتها على ما يسع تأديتها غير إن جماعة من المخالفين أحالوا جواز التوسع في الوقت لما زعموا من خروج الواجب بذلك عن الوجوب، و هذا القول قد ردّ مفصلًا في الأصول في مبحث

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج 3/ ص 92/ ح 7/ باب 4 اذا زالت الشمس، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 140، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 132.

(2) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج 3/ ص 115/ ح 5/ باب أوقات الصلوات الخمس، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 140، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 133.

(3) التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 143، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 140، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 152/ ح 6/ باب 26.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 30

الواجب المخيّر و الموسع و يكفي في الرد عليهم ظاهر الخطابات الدالة على توسعة أوقاتها المتقدمة.

انقسام الوقت لكل صلاة الى قسمين وقت فضيلة و وقت أجزاء

اشارة

أعلم بعد ما

ذكرنا أن لكل صلاةٍ من الصلوات الخمس اليومية وقتاً واسعاً فذلك الوقت لكل واحد منهما. المشهور إنه ينقسم الى قسمين يسمى الأول منهما وقت فضيلة، و يسمى الثاني منهما وقت أجزاء و وقت رفاهية، أما وقت الفضيلة فهو من أول دخول الوقت الى مقدار خاص سيجي ء بيانه. و أما وقت الأجزاء هو ما بعد وقت الفضيلة بمعنى أن الإنسان لو أخر الصلاة عن وقت فضيلتها كانت مجزية له و ممتثلًا بها لربه، و بعضهم ذهب الى أن ما بعد وقت الفضيلة هو وقت المضطر بمعنى أن الصلاة لا تؤخر عن وقت الفضيلة إلّا للضرورة كالحيض الى أن تطهر المرأة و كالجنون و كالإغماء الى أن يفيق المرء و كالكفر الى أن يسلم و كالصبي الى أن يبلغ أو تؤخر الصلاة عنه للعذر كالسفر و المرض و المطر و العمل الذي لو تركه و اشتغل بغيره كالصلاة يتضرر ديناً و دنيا فإنه مع هذه الأمور يصح منه تأخير الصلاة للوقت الثاني و إلا استحق اللوم و التعنيف للتأخير عن الوقت الأول.

و الأصح هو القول الأول من أن الوقت ينقسم الى قسمين: وقت فضيلة و وقت اجزاء و امتثال، و يدل على ذلك ما رواه في الكافي في صحيحة معاوية بن عمار قال أبو عبد اللّه (ع): (لكل صلاة وقتان أول الوقت أفضلهما) «1»، و ما في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما) «2»، و الموثق عن قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه (ع): (أن فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا) «3»، المعتضدة هذه الأخبار المعتبرة بالإجماعات المنقولة عن السرائر و الغنية و الرياض

و بإطلاقات الكتاب و السنة كقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «4» و المراد بالدلوك هو الزوال، و المراد بغسق الليل هو انتصاف الليل، كما في بعض الروايات فإنه يدل على أنّ الإنسان مخير في هذا الوقت الواسع إذ ليس المراد إيقاعها في جميع أجزاء الزمان على سبيل الجمع إجماعاً و للعسر و الحرج و اختلال النظام فتعين التخيير في أداء الصلاة، و التخيير في

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 89/ ح 11/ باب استحباب الصلاة في أول الوقت، الكافي/ المحدث الكليني/ ج 1/ ص 76، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 124، الاستبصار ج 1 ص 124.

(2) وسائل الشيعة/ المحدث العاملي/ ج 3/ ص 87/ ح 4/ باب استحباب الصلاة في أول الوقت/ التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 114، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 141.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 89/ ح 15/ باب استحباب الصلاة في اول الوقت/ التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 144، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 141.

(4) سورة الإسراء/ الآية 78.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 31

أجزاء الوقت و هو يقتضي الأجزاء لا أنه يكون للضرورة و الاعتذار و عن ابن البراج عن بعض أصحابنا القول بأن للمغرب وقتاً واحداً مستدلًا عليه ببعض الأخبار، و لا يخفى ما فيه فإنها قد حملت على المبالغة في تأكد استحباب المبادرة في المغرب لقوة الطائفة الأولى و يرشد الى ما ذهبنا إليه من أن للصلوات الخمس أوقاتاً معلومة من دون فرق فيها بين حالتي الاختيار و الاضطرار أو العذر في تركها أول الوقت منها قول أبي جعفر (ع) في

خبر فُضيل بن يسار

(أن من الأشياء أشياء موسعة و أشياء مضيقة، فالصلاة مما وسع فيه. تقدم مرّة و تؤخر مرة أخرى)

«1»، و يعضد ذلك أيضاً ما دل من الروايات على أفضلية أول الوقتين و الترغيب فيه منها صحيح ابن سنان عن الصادق (ع):

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما)

«2» فإن الحكم بأفضلية العمل في أول الوقت يقتضي أجزاء المفضول في حق المختار لكون الأفضلية مختصة به دون المعذور فإن عذره يمنعه عن إدراك الوقت الأول

(و ما غلب اللّه عليه فالله أولى بالعذر)

فلا معنى للترغيب الى العمل فيه، و بعبارة أخرى أن المفهوم من الأفضلية جواز التأخير من دون معصية و إلّا لكان بيان المنع من التأخير لا الحكم بمفضولية الوقت الأخير.

و لا يعارض ذلك ما ورد من الأخبار الناهية عن جعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر كما في صحيح ابن سنان من قوله (ع):

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما، و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً، و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة)

«3» الى غير لك من الروايات الجارية هذا المجرى و المستفاد من قوله (ع) مجموعهما، هو ذلك. و وجه عدم المعارضة هو أنها تحمل على الكراهة للتأخير لظهور الطائفة الأولى في عدم وجوب التقييد بالوقت الأول و للشهرة في الطائفة الأولى و الموافقة للكتاب المجيد كما تقدم.

أوقات الفرائض الخمسة
الظهر

إن وقت الظهر هو زوال الشمس اي أن يبقى من الغروب مقدار أداء صلاة العصر لما في صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع):

(إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب

7/ ص 136/ رواية 4731.

(2) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 3/ ص 119/ رواية 4675.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 87/ ح 4/ باب استحباب الصلاة في أول وقتها، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 144، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 141.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 32

و العصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس)

«1» بإجماع المسلمين و لصحيح زرارة عن أبي جعفر

(إذا زالت الشمس دخل الوقتان)

«2» و آخر وقت الفضيلة أن يصير ظل كل شي ء مثله للشهرة الجابرة بما في موثق زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر)

«3» و حملها المشهور على وقت الفضيلة، و الأخبار في ذلك مختلفة في التحديد بالقامة و الذراع و القدم و من اختلافهما فهم الأصحاب أنها لبيان مراتب الفضيلة.

و التحقيق أن المراد بها واحد هو ظل المثل فإن ظل المثل بعد الزوال يختلف باختلاف البلدان و الأزمان فقد يكون في بعضها قدر قامة و قد يكون قدر قدم أو ذراع.

و آخر وقت الإجزاء و الرفاهية يمتد الى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر، لما في مرسل ابن فرقد عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس)

«4» و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث

ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخر الى انتصاف الليل، و أما ما ورد عن الصادق (ع) من السؤال عن وقت الظهر، فقال:

(بعد الزوال بقدم إلا في يوم الجمعة أو في سفر فإن وقتها حين تزول)

«5» فهو محمول على التأخير لأجل النافلة.

العصر

وقت العصر الفراغ من الظهر بإجماع الإمامية الى الغروب، و لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع):

(إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، و إذا غابت الشمس دخل

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 92/ ح 5، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 140، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ح 1/ ص 125، من لا يحضره فقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 71.

(2) من لا يحضره فقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 71، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 139، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 91/ ح 1/ باب 4.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 109/ ح 33/ باب 8.

(4) التهذيب/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 140، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 132، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 92/ ح 7.

(5) التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 139، الاستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 125، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 105/ ح 11/ باب 8. الصفحة التالية الصفحة السابقة أعلى الصفحة

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 33

الوقتان المغرب و العشاء الآخرة)

«1» و لصحيح عبيد بن زرارة المروي عن التهذيب

قال: (سألت أبا عبد اللّه (ع) عن وقت الظهر و العصر، فقال:

إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس)

«2» و وقت فضيلة العصر يمتد الى أن يصير الظل مثليك لما في موثق زرارة

(و إذا كان ظلك مثليك فصلي العصر)

«3» و في بعض الروايات (قامتين) و المراد بها قامة الإنسان لأنه هو المتبادر منها فيكون هو المراد من قوله

(إذا كان ظلك مثليك)

، و قيل غير ذلك من التحديد (بالقامتين و الذراعين و القدمين) لاختلاف الأخبار و حمل هذا الاختلاف على مراتب الفضيلة، و لكن التحقيق أن هذا الحمل هو خلاف ظاهرها و أن المراد واحد كما ذكرناه في فضيلة الظهر.

أما وقت الأجزاء فهو الى الغروب بمقدار صلاة العصر كما دل على ذلك مرسل ابن فرقد المتقدم في صلاة الظهر.

المغرب

وقت المغرب هو غروب الشمس الى أن يبقى لمنتصف الليل مقدار أداء العشاء لما في صحيحة عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه (ع) قال:

(اذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا ان هذه قبل هذه)

«4» و الوقت المختص و هو مقدار ثلاثة ركعات من الغروب لصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع):

(وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها)

«5» و لمرسل داود ابن فرقد المتقدم في صلاة الظهر و لمعتبر أحمد بن محمد عن الصادق (ع):

(إذا توارى القرص كان وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه)

«6» و آخر وقت الفضيلة لصلاة المغرب ذهاب الشفق و هو سقوط الحمرة المغربية لنقل الإجماع عن المختلف و لصحيح إسماعيل بن جابر عن ابي

عبد اللّه (ع) قال:

(سألت عن وقت المغرب، قال: ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق)

«7» و ما دل على أن لها وقتاً واحداً قد حمله المشهور على وقت الفضيلة لوهنه بمعارضته للصحيح المذكور و مخالفته للمشهور فيدور أمره بين طرحه أو حمله و تأويله و لا شك أن الثاني أولى.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ ج 1/ ص 71، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 139، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 91/ ح 1/ باب 4.

(2) التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 208، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 92/ ح 5/ باب 4.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 109/ ح 33/ باب 8.

(4) التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ح 1/ ص 141، الاسبصار/ الشيخ الطوسي/ ج 1/ ص 134، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج 3/ ص 132/ ح 24/ باب 16.

(5) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 16/ ص 178/ رواية 4842.

(6) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 16/ ص 181/ رواية 4850.

(7) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 16/ ص 182/ رواية 4855.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 34

وقت الأجزاء يمتد الى أن يبقى لانتصاف الليل و هو الغسق قدر العشاء و يدل على ذلك مرسلة ابن فرقد المتقدمة في الظهر.

العشاء

و وقت العشاء إذا مضى من المغرب قدر صلاة المغرب الى قبل الغسق و هو انتصاف الليل للشهرة و لرواية داود ابن فرقد المتقدمة في صلاة الظهر و لرواية عبيد ابن زرارة عن الصادق (ع):

(إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه)

«1» المنجبرة بالشهرة. و يمتد وقت فضيلة العشاء الى ثلث

الليل لرواية زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(آخر وقت العشاء ثلث الليل)

حملها القوم على وقت الفضيلة للجمع بينها و بين ما تقدم، و حكي عن أبي صلاح الفتوى بوجوب الكفارة على من نام عن العشاء الى نصف الليل للرواية عن أبي المغيرة عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع) (في رجل نام عن العتمة و لم يقم إلا بعد انتصاف الليل قال (ع):

يصليها و يصبح صائماً)

«2» و حكي عن أبي حمزة و المتأخرين استحبابها لإرسال الرواية. و يمتد وقت الأجزاء و الرفاهية الى نصف الليل لموثق المعلى ابن خنيس عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(آخر وقت العشاء نصف الليل)

و الوقت للمعذور كالمضطر و النائم و الناسي يمتد إلى طلوع الفجر لصحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه (ع) في النائم و الناسي:

(إذا استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما يجب عليه الصلاتان و إن خاف أن تفوته إحداهما يبدأ بالعشاء)

«3» فإن هذه الصحيحة تقتضي وجوبهما قبل الفجر وجوبُ عذري و يتم في باقي المعذورين بضميمة عدم الفصل.

الصبح

وقت صلاة الصبح المسماة بالغداة هو طلوع الفجر الثاني الى طلوع الشمس للشهرة الجابرة لما هو المروي عن زرارة عن أبي جعفر (ع):

(وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)

«4» و يسمى الفجر الثاني بالخيط الأبيض، و يسمى بالفجر الصادق لأنه يصدقك عن الصبح، وسمي الصبح صبحاً لأنه يجمع بين الحمرة و البياض يقال: رجل أصبح إذا جمع بين الحمرة و البياض و لا عبرة بالفجر الأول المسمى بالفجر الكاذب و يسمى بالخيط الأسود كما أنّ الثاني يسمى بالخيط الأبيض، و يدل على ذلك رواية زرارة عن أبي جعفر (ع):

(وقت صلاة الغداة ما بين

طلوع الفجر الى طلوع الشمس)

«5» وقت فضيلتها يمتد الى طلوع الحمرة المشرقية لما في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع):

(أن وقت

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 4/ ص 130/ رواية 4712.

(2) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 29/ ص 216/ رواية 4957.

(3) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 62/ ص 288/ رواية 5182.

(4) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 38/ ص 239.

(5) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 38/ ص 239.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 35

الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء)

«1». و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام.

و الوقت للأجزاء الى طلوع الشمس كما هو المشهور الجابر لرواية زرارة عن أبي جعفر (ع) قال:

(وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و الوقت للمعذور بعد طلوع الحمرة المشرقية)

«2» لما تقدم من صحيحة ابن سنان.

الصلاة الوسطى هي الظهر

المنسوب الى المشهور أن الصلاة الوسطى المأمورون بالمحافظة عليها هي صلاة الظهر، و يدل على ذلك ما في صحيحة زرارة و صحيحة أبي بصير المروية عن معاني الأخبار قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

(صلاة الوسطى صلاة الظهر و هي أول صلاة أنزل اللّه على نبيه)

«3» و عن علي (ع):

(أنها الجمعة يوم الجمعة و الظهر في سائر الأيام)

«4» و لا يصغى لغير ذلك من الأخبار لوهنها باختلاف نسخها و عدم حجيتها بعد ما عرفت من الصحاح المعتضدة بفتوى المشهور.

تحديد وقت الفضيلة لكل واحدة من الصلاة اليومية
اشارة

لا يخفى أن المستفاد من الكتاب الكريم و السنة أن الأفضل من الأوقات للصلاة هو المسارعة بإتيانها أول الوقت بالأمر بالمسارعة الى الخير و الاستباق له و لا شك أن الصلاة الواجبة اليومية هي من عمل الخير بل هي أفضل عملٍ خيري حتى روي عنهم (ع) رمي المتأخر عن صلاته (بلعب الصبيان) و لصحيح ابن سنان (ع):

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما)

«5» و عليه فلا بد من تحديد وقت الفضيلة و تعينه.

الظهر

إن وقت فضيلة الظهر من الزوال الى أن يصير ظل كل شي ء مثله، و يكون ما بعده وقت الأجزاء و الإطاعة الى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر، وسمي وقت الأجزاء لأنه يحصل به الامتثال و الإطاعة مجردة عن فضيلة الإتيان للشهرة و لما في صحيحة زرارة:

(صلِّ الظهر في الصيف اذا كان ظلك مثلك، و العصر اذا كان مثليك)

«6» فإنه

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 26/ ص 208/ رواية 4937.

(2) وسائل الشيعة/ ج 4/ باب 26/ ص 208/ رواية 4938.

(3) الوسائل/ ج 3/ ص 14/ حديث 2/ باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى، و معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 94.

(4) الوسائل/ مج 2/ ج 1/ ص 155/ حديث 2

(إنما نعدها صلاة الصبيان)

. (5) الوسائل/ ج 3/ باب 3/ ص 87/ حديث 4 و التهذيب للشيخ الطوسي ج 1 ص 144 و كذا الاستبصار ج 1 ص 141.

(6) الوسائل/ باب 8/ ج 3/ ص 109/ حديث 33.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 36

لا ريب في صحة صلاة الظهر في أول الزوال و صحة العصر بعدها، فلا بد أن يكون المراد هو بيان عدم تأخيرهما عن هذا المقدار. و هو يدل على الفضيلة

فيه، و يؤيد ذلك ما ورد من الأخبار الكثيرة الواردة في تحديد وقت الظهر بذهاب الظل قامة و تحديد وقت العصر بالقامة فإن الظاهر منه هو قامة الإنسان فيكون مؤداها عين مؤدى (مثلك) في صحيح زرارة إن قلت أن القامة في بعض الأخبار مفسرة بالذراع. قلنا هذه الأخبار مطروحة إذا لم يثبت ذلك عرف خاص أو اصطلاح جديد، و لعل المراد بها قامة مخصوصة و لذا أتى بها للعهد.

و الظاهر أن المراد بالمثل و المثلين هو مثل الشاخص و المحكي عن التذكرة و المعتبر أن الأكثر على ذلك و لقوله (ع): (مثلك) و ليس المراد به مثل الظل الذي يكون باقياً عند الزوال كما ينسب للشيخ الطوسي في التهذيب، و روي

(وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة)

«1» و روي لوقت الفضيلة أربعة أقدام و هو المنسوب للشيخ و السيد. و روي (قدمان) و هو المنسوب للمفيد في المقنعة.

و في المسألة أقوال أخرى و يمكن حملها على مراتب الفضيلة من القدم و القدمين و الأقدام الأربعة الى المثل ينتهي وقت الفضيلة و يكون بعده وقتاً للأجزاء.

وقت فضيلة العصر

و وقت فضيلة العصر من أوله الى أن يصير الظل مثليك كما تقدم في مبحث فضيلة الظهر.

وقت فضيلة المغرب

و وقت فضيلة المغرب من الغروب الى سقوط الحمرة المغربية، و وقتها الإجزائي الى أن يبقى مقدار صلاة العشاء الى انتصاف الليل لنقل الشهرة على ذلك من الأصحاب و لصحيحة إسماعيل عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (سألته عن وقت المغرب قال

ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق)

«2» و الشفق كما في اللغة هو الحمرة المغربية.

و في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) قال: (سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق، أ يؤخرها الى أن يغيب الشفق؟ قال:

لا بأس بذلك في السفر، فأما في الحضر فدون ذلك شيئاً)

«3»، و يدل على امتداد وقت الأجزاء الى أن يبقى مقدار العشاء الى انتصاف الليل. رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «4»، قال:

(أن اللّه تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من زوال الشمس الى غروب الشمس إلا أن هذه

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 133 باب وقت الفضيلة للظهر، حديث/ 9.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 133 باب أول وقت المغرب حديث/ 29.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 144 باب جواز تأخير المغرب حديث: 15.

(4) سورة الأسراء- آية (78).

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 37

قبل هذه، و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه)

«1» و أما المضطر الى تركها فإلى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء و يرشد إليه صحيحة عبد اللّه بن سنان

عن أبي عبد اللّه قال:

(إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتاهما فليصلهما و إن خاف أن تفوت إحداهما فليبدأ بالعشاء، و إن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس)

«2»، و أما في الصحيحة الأخرى عن أبي عبد اللّه (ع) و وقت

(الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام)

«3» و مثلها الحسنة التي قيل عنها كالصحيحة بل الصحيحة على الصحيح عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام)

«4» وقت فضيلة العشاء

و أما وقت فضيلة العشاء فهو أول مضي مقدار صلاة المغرب من المغرب كما هو المشهور و يمتد وقت الفضيلة الى ثلث الليل لرواية زرارة عن أحدهما" عليهما السلام" قال:

(آخر وقت العشاء ثلث الليل)

(6)، و أما وقت الأجزاء فهو ما بعده الى انتصاف الليل لما تقدم.

الصبح

و وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر الثاني و هو البياض المعترض في أفق السماء، و يسمى الصبح الصادق لأنه يصدقك عن الصبح، وسمي صبحاً لأنه يجمع بين حمرةٍ و بياضٍ و لا عبرة بالفجر الأول المسمى بالفجر الكاذب الخارج كذنب السرحان، و يسمى الخيط الأسود و ينتهي وقت الفضيلة بأسفار الصبح و تجلله السماء المعبر فيه في كلام جماعة بطلوع الحمرة من ناحية المشرق. و وقت الأجزاء الى طلوع الشمس كما هو المشهور و المحكي عن خبر زرارة المحكي عن الباقر (ع):

(و وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)

«5» و عن خبر عبيد بن زرارة عن الصادق (ع):

(لا تفوت صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)

«6» و لا يمنع من الاستدلال ضعف الإسناد بعد الاعتضاد بالشهرة المستفيضة و بالإجماع المنقول عن ابن إدريس و ابن زهرة، بل صار في مذهب الشيعة مثل الضروري.

و ينتهي وقت الفضيلة بأسفار الصبح و تجلله السماء المعبر عنه في كلام جماعة بطلوع الحمرة المشرقية، و يدل على ذلك الحسنة كالصحيح بل الصحيحة على الصحيح التي رواها

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 132 باب أول وقت المغرب.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 135 باب أول وقت المغرب الحديث: 5.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 152 باب وقت الصبح من طلوع الفجر حديث: 5.

(4) الوسائل مج 2 ج 1 ص

150، باب الشفق المعتبر، حديث: 3.

(5) الوسائل مج 2 ج 1 ص 152 باب وقت الصبح الحديث: 6.

(6) الوسائل مج 2 ج 1 ص 152، باب وقت الصبح الحديث: 8.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 38

الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام)

«1» و الصبح الذي رواه الشيخ بإسناده عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما و وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام)

«2» و في محكي المدارك منع دلالة الخبرين المذكورين على خروج وقت الاختيار بذلك فإن لفظ (لا ينبغي) ظاهر في الكراهة و جعل ما بعد الاسفار وقتاً لمن شغل يقتضي عدم فوت وقت الاختيار بذلك لأن الشغل أعم من الضروري و ليس كما ينسب لبعضهم من دلالتها على وقت المضطر.

تحقيق المطلب

و توضيح الحال و تحقيقه أن الروايات المتقدمة في (ان أول الوقت أفضله) «3» دلت على أن أفضل وقت الفجر هو طلوع الفجر مع أنه قامت أخبار دالة على ذلك بخصوصه، ففي المروي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع):

(أن أفضل مواقيت صلاة الفجر هو طلوع الفجر لأن اللّه يقول: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً) «4» يعني صلاة تشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار)

فإذا ضَمَمنا ذلك الى الحسن من خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع):

(أن وقت الفجر الى

أن يتجلل الصبح السماء)

«5» و معنى (تجلله) هو علوه فالمعنى أنه علاه و هو يكون معه الحمرة المشرقية فإذا ضممنا الى ذلك ما رواه زرارة

(أن وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)

«6» يعلم من أن وقت الفضيلة للفجر ينتهي بظهور الحمرة المشرقية و بتجلل الصبح السماء، و يؤيد ذلك الصحيح الذي رواه الشيخ بإسناده عن ابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، و وقت المغرب حين تحجب الشمس الى أن تشتبك النجوم و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة)

«7»، و قوله: (و لا ينبغي) يدل على الكراهة.

______________________________

(1) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(2) مرت الإشارة إلى تخريجها.

(3) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(4) سورة الإسراء آية 78، الوسائل مج 2 ج 1 ص 154. حديث: 1.

(5) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(6) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(7) الوسائل مج 2 ج 1 ص 152، باب وقت الصبح، حديث: 5.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 39

و ذكر المرحوم المدقق المحقق الشيخ ملا كتاب أن المشهور بين الأصحاب امتداد الوقت للظهر الى أن يصير ظل كل شي ء مثله، و للعصر الى صيرورته مثليه، و ذهب إليه جل جمهور المتقدمين و كافة المتأخرين و ادعى في الغنية و السرائر عليه الإجماع و عن الخلاف الاستدلال على نفي الزائد عنه بالإجماع على كونه وقتاً و لا دلالة على الزائد، و ذهب المفيد الى تقدير بسبع الشاخص للظهر

و بتغير لون الشمس باصفرارها للعصر، و عن النهاية تقديره للظهر بأربعة أقدام و أن العصر تصلى بعدها يوم الجمعة، و المعتمد ما عليه الأكثر للإجماعات المحكية و الروايات المستفيضة كقول الصادق (ع) لزرارة:

(إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر و إذ كان ظلك مثليك فصل العصر)

«1» إذ ليس هذا التحديد لأول وقت الظهر إجماعاً فيتعين كونه للآخر و قول الصادق (ع) لعمر بن حنظلة

(ثمّ لا تزال في وقت الظهر الى أن يصير الظل قامة و هو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين و ذلك المساء)

«2» الى غير ذلك من الأخبار السالفة و الظاهر من (القامة) في هذه الأخبار هي قامة الإنسان لكونه هو المفهوم عرفاً و المستفاد من تحقق الماء بالقامتين، و لعل تفسيرها بالذراع كما في بعض الروايات اشتهار جعل الشاخص بقدر الذراع فيكون التحديد بالذراع و الذراعين راجعاً أيضاً الى المثل. هذا ما

______________________________

(1) مرت الإشارة إلى مصدره.

(2) مرت الإشارة إلى مصدره.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 40

حصلناه من كلمات القوم في تحديد وقت الفضيلة. و أقول أن التحقيق أن وقت الفضيلة هو مقدار العمل من أول دخول الوقت بمقدار ما يؤدى به الصلاة و توابعها من مقدماتها كالطهارة و نحوها من النوافل السابقة و اللاحقة و صلاة الاحتياط لأن ذلك يصدق عليه الشروع بها، ففي المقام دعويان:

الدعوى الأولى: أن ما أستدل به القوم لم يدل على تحديد وقت الفضيلة و الدليل على هذه الدعوى أنه ليس فيه تصريح بالتحديد المذكور بالفضيلة و إنما حملوه على وقت الفضيلة من جهة تأويل الأخبار مع أن من المحتمل فيها أن يحمل ما

ذكر فيها من المثل و القامة و الذراع على كراهية التأخير عن ذلك أو التأخير لأجل النافلة و توابع الصلاة لا من جهة تحديد وقت الفضيلة و الاستحباب أو للتقية. نعم روى عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عن افضل وقت للظهر فقال

(ذراع بعد الزوال)

«1» و لعله من جهة النافلة و هو مختص بالظهر.

و الدعوى الثانية: أن وقت الفضيلة هو أول دخول الوقت بمقدار ما يسعها بتوابعها من نوافل و طهارة و نحو ذلك، و الدليل عليها هو دليل أفضل المسارعة لعمل الخير و كثير من الأخبار كصحيح بن سنان قوله (ع):

(لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما)

«2» و ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) (و قد سأله عن افضل وقت لكل صلاة أنه أول الوقت أو وسطه أو آخره فقال (ع):

أوله إن رسول اللّه" ص" قال: إن اللّه عز و جل يحب من الخير ما يعجل)

«3» الى غير ذلك من الأخبار الدالة على أفضلية العمل في أول الوقت، فلا بد أن يكون الثاني من الوقت ما بعده مقدار أداء العمل من حين دخول الوقت.

أحكام الوقت

الحكم الأول: قاعدة من أدرك

الأول: أن من أدرك مقدار ركعة من الصلاة في آخر وقتها فقد أدرك الوقت، فمثلًا من صلّى الفجر و طلعت عليه الشمس في الركعة الثانية فقد أدرك الوقت للقاعدة المشهورة التي قام عليها الإجماع من الفريقين و هي (أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) و هذه القاعدة مما اتفق عليها العامة و الخاصة بإجماع أهل الفضل فقد روي عن البخاري بسنده عن النبي (ص) أنه قال:

(من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة

من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)

«4» و حكي مثله عن أبي داود و عن ابن ماجة القزويني، و حكي موثق عمار عن الصادق (ع) أنه قال:

(من صلى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته)

________________________________________

نجفى، كاشف الغطاء، على بن محمد رضا بن هادى، كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، ه ق

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)؛ ص: 40

«5» و في المرسل عن المعتبر قوله (ع):

(من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت)

و عن المروي عن الشيخ عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع):

(من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 107 حديث: 25.

(2) مرت الإشارة إلى مصدره.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 89 حديث: 12.

(4) الذكرى و الخلاف للشيخ الطوسي ص 32.

(5) الوسائل مج 2 ج 1 ص 158 حديث: 1.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 41

تامة)

«1» و في المرسل العلوي

(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)

، و هذه الأخبار و إن كانت فيها المرسَل و فيها الضعيف إلا أن الشهرة و اتفاق مضمونها الذي يجعلها بمنزلة التواتر المعنوي كانا هو الجابر لسندها و الكلام فيها يقع على جهات:

الجهة الأولى: أن الصلاة تكون أداءً لا قضاء خلافاً لما هو المحكي عن السيد من أنها تكون قضاء لأن خروج الجزء يوجب خروج الكل فإن النتيجة تتبع أخس المقدمات، و عن بعضهم أنها مركبة بين الأداء و القضاء، و لكن الأصح أنها أداء لأن (ال) في الوقت ظاهرة في أنها للعهد بالوقت المجعول للصلاة و هو وقت أدائها، و كذا (ال)

في الصلاة ظاهرة في العهد للصلاة الأدائية، و كذا قوله (تامة) فإنه ظاهر في تماميتها وسعة الوقت لها و كذا قوله (أدرك) فإنه ظاهر في إدراك الوقت الذي قد فات منه. و وقت القضاء لم يفت منه.

الجهة الثانية: أن المراد بإدراك الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية كما صرح به جماعة فإن الركعة حقيقة شرعية في ذلك.

الجهة الثالثة: إنه لا يجوز التأخير تعمداً لأنه بالتأخير مطلوب منه مقدار من الصلاة فوراً لضيق وقته و هو قد فوته عليه تعمداً فيكون عاصياً.

الجهة الرابعة: لو بقي من وقت الظهرين مقدار أربع ركعات وجب عليه إتيان العصر و قضاء الظهر لأنه وقت اختصاص بالعصر، و لو بقي مقدار خمس ركعات أتى بالظهر لأنه قد أدرك من وقته ركعة ثمّ يأتي بالعصر لأنه يدرك من الوقت أكثر من ركعة و هكذا الكلام في العشاءين. إن قلت أنه لو بقيَ أربع ركعات من العشاء أمكنه أن يأتي بالمغرب ثمّ أنه يأتي بالعشاء أداء لأنه أدرك منه ركعة. قلنا أنه لما كان الوقت مختصاً بالعشاء لا يصح إتيان المغرب فيه.

الجهة الخامسة: أن الصبي إذا بلغ و المجنون إذا أفاق و الحائض و النفساء إذا طهُرتا و الكافر إذا أسلم، إن هؤلاء إذا أدركوا قبل غروب الشمس مقدار ما يصلي ركعة أنه يلزمهم العصر، و كذا إذا أدركوا قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة يلزمهم العشاء و إذا أدركوا قبل طلوع الشمس بركعة يلزمهم الفجر.

الجهة السادسة: أن المراد بالركعة هو ركعة الفريضة الاختيارية لا الفريضة الاضطرارية فإذا كانت فريضة الصلاة مع الطهارة المائية بالوضوء أو بالغسل و لم يدرك ركعة معها و إنما يدرك ركعة مع التيمم لا يجب عليه المبادرة

للصلاة مع التيمم لعدم شمول أخبار (مَن أدرك) لها لأن شمول أخبار (من أدرك) لها مبني على الأمر بالصلاة مع التيمم و الأمر بالصلاة مع التيمم إنما يكون بشمول (من أدرك) إذ لو لا شمول من أدرك لما كان أمر بالصلاة لأن التيمم إنما يصح إذا كان أمر بالصلاة مع ضيق الوقت عن الطهارة بالماء و الفرض أن الأمر بالصلاة إنما كان من جهة شمول (من أدرك) لهذه الصورة حتى يشرع في حقه التيمم لضيق الوقت عن الطهارة بالطهارة المائية فيلزم الدور الباطل لتوقف شمول (من أدرك) على شمولها فيكون فاقداً للطهورين فلا تصح الصلاة منه بخلاف الصلاة الاختيارية فإن شمول (من أدرك) لها متوقف على الأمر بها مع الطهارة المائية و الأمر بها مع الطهارة المائية غير متوقف على (من أدرك) بل هو مستفاد من الأمر بها مع الطهارة المائية و بعبارة أخرى إنما كان من كل ركعة شمول (من أدرك) لها من جهة ضيق الوقت و الاضطرار إليها

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 158 حديث: 2.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 42

بواسطة شمول (من أدرك)، كما لو كانت الركعة لا يسعها الوقت مع الساتر و لكن يسعها الوقت مع فقده، بمعنى أن الباقي من الوقت يسع للركعة مع عدم الساتر أما مع تحصيل الساتر فلا يسع الوقت ففي هذه الصورة لا يصح أن يقال: أن (من أدرك) تشمل هذه الصورة لأن الصلاة مضطر لترك الساتر فيها لعدم تمكنه من الستر و الصلاة تصح بلا ساتر مع ضيق الوقت فيكون بواسطة (من أدرك) الصلاة واجبة عليه مع عدم الساتر لضيق الوقت، و لا يخفى أنه يلزم الدور من شمول (من أدرك) و

هكذا فيما إذا كانت الركعة يدركها لو كانت من جلوس و لا يدركها لو كانت من قيام فلا يصح أن يقال في صورة ما إذا ضاق الوقت و بقي منه مقدار ركعة من جلوس من أنه (من أدرك) تشمل هذه الصورة لأنه بقي مقدار الوقت يسع لركعة من جلوس بدل من الركعة من قيام، و هكذا لو بقي من الوقت مقدار ركعة مومياً فلا تشمل (من أدرك) هذه الصورة و الحاصل إن كان بقاء مقدار الركعة من جهة شمول (من أدرك) فلا يصح أن يقال بأن (من أدرك) تشمله للزوم الدور هكذا بحسب الدقة العقلية.

و أما بحسب الظهور اللفظي فإن لفظة (صلاة) في قوله (من أدرك) ظاهر في الصلاة الاختيارية الصحيحة لا في بدلها الاضطراري غير الاختياري فإن (من أدرك) بدل الشي ء ليس إدراكاً للشي ء ففي صورة إدراك بدل الصلاة الاضطراري ليس إدراكاً للصلاة فالقاعدة المذكورة لا تشمل الإدراك البدلي، هذا مضافاً الى الصحيح الذي رواه ثقة الإسلام بسنده عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (قال (ع):

أيما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، و إن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة و دخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء و تصلي الصلاة التي دخل وقتها)

«1» فإنه مقتضى مفهوم الشرطية التي في صدرها أنه

(إن لم تكن قادرة على أن تغتسل فلا قضاء عليها)

و هذا المفهوم يقتضي أنها لا قضاء عليها حتى إذا كانت قادرة على التيمم، و هكذا الشرطية الموجودة في أخرها فإن مقتضى منطوقها إن القضاء ليس

بواجبٍ عليها حتى لو تمكنت من التيمم فإن اسم الإشارة في قوله (تهيئة ذلك) عائد للغسل، و يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن أبي عبد اللّه (ع): (في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي طهرها حتى تفوتها الصلاة و يخرج الوقت أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال (ع):

(إن كانت توانتها قضتها و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي)

«2» فإنها دالة على عدم القضاء مع اشتغالها بالغسل و إن كانت قادرة على التيمم، و يدل عليه ما عن الكليني بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(إذا رأت المرأة الطهر و قد دخل عليها وقت الصلاة ثمّ أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها)

«3» و الاستدلال بها واضح و يدل عليه ما في الوسائل عن محمد بن مسلم عن أحدهما" عليهما السلام" قال: (قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال

تصلي العصر وحدها فإن ضيعت فعليها

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2/ باب 49/ ص 361/ رواية 2366.

(2) الوسائل/ ج 2/ باب 49/ ص 364/ رواية 2373.

(3) الوسائل/ ج 2/ باب 49/ ص 363/ رواية 2369.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 43

صلاتان)

«1» و الظاهر أن المراد بوقت العصر الوقت المختص بها و هو مقدار أدائها قبل الغروب جمعاً بين الأخبار.

و الحاصل أن مقتضى نفي القضاء في الرواية الأولى عن مطلق من قامت بتهيئة الغسل، و في الرواية الثانية نفيه عن مطلق من كانت دائبة في غسلها، و في الرواية الثالثة عن مطلق من اشتغلت في شأنها شامل لمضي زمان مقدار التيمم منضمة لعدم القول بالفصل بين أول

الوقت و آخره و بين الحائض و غيرها من ذوي الأعذار يثبت المطلوب هذا كله إذا كان ضيق الوقت و الاضطرار من جهة شمول (من أدرك)، و أما إذا كان ضيق الوقت و الاضطرار من جهة أخرى بأن كانت واجبة عليه الصلاة مع التيمم في حد ذاته لفقدانه الماء أو عاجزاً عن أداء الصلاة إلا إيماء لمرض أو نحوه فإن قاعدة (من أدرك) تشمله لأنها هي الصلاة في حقه.

الحكم الثاني: قاعدة من دخل

الثاني من أحكام الوقت أنه من دخل عليه الوقت و هو في أثناء أداء الفريضة و لو حال التسليم صحت صلاته، فمثلًا من تخيل أن الفجر قد صار و لم يكن قد دخل الفجر و لكنه في أثناء صلاته و لو قبل التسليم دخل الفجر كانت صلاته صحيحة و لا تجب عليه الإعادة لقاعدة من دخل عليه الوقت في أثناء صلاته صحت صلاته، و الفرق بين هذه القاعدة و قاعدة (من أدرك) أن هذه القاعدة ناضرة لأول الوقت و التوسعة في أول الوقت، و قاعدة (من أدرك) ناظرة لآخر الوقت و التوسعة فيه.

و الدليل على هذه القاعدة الشهرة على صحتها، و عن المرتضى و ابن جنيد و ابن أبي عقيل وجوب إعادة الفريضة، و الأصح ثبوت هذه القاعدة لخبر إسماعيل ابن رياح عن الصادق قال (ع):

(إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك)

«2» و لا يهمنا جهالة إسماعيل حيث لا تعرض له بمدحٍ و لا قدحٍ بعد اعتضاد خبره بفتوى مشهورة و مخالفة كافة الجمهور حيث أوجبوا الإعادة على ما حُكيَ عن المنتهى بل عن العلامة البهبهاني أن الأصحاب قد عملوا بخبره و

حكموا بصحة الصلاة بمجرد خبره، و يؤيد صحة خبره رواية ابن أبي عُمَير عنه لما عن العدة من أن ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة و لا يعارضه ما أرسله المرتضى من الروايات حيث حكم بعدم الأجزاء لقصورها عن المقاومة لموافقتها لأهل الخلاف كما قد عرفت، فيتعيّن حملها على التقية و لا يعارضه ما دل بإطلاقه على بطلان الصلاة في غير وقت كقول الصادق (ع):

(من صلى في غير وقت فلا صلاة له

) «3» لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

الحكم الثالث: المبادرة

أنه تجب المبادرة الى الصلاة إذا تضيق وقتها لأنه لو أخرها أو أخَر بعض أجزائها كان عاصياً و مخالفاً لأمر المولى بإتيانها بجميع أجزائها في وقتها. نعم مع العذر كالجنون و الحيض أو النسيان كان معذوراً في تأخيرها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2/ باب 49/ ص 363/ رواية 2370.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 150 باب من صلى ظاناً دخول الوقت، الحديث: 1.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 123 باب بطلان الصلاة قبل تيقن دخول الوقت، حديث: 6.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 44

الحكم الرابع: الصلاة قبل دخول وقتها بتخيل دخوله

أنه حكي عن المحقق أن المكلّف لو صلّى قبل دخول وقت الفريضة بتخيّل دخوله ثمّ دخل عليه الوقت في أثنائها كالظهر صحّت صلاته و أتى بالعصر بعدها، و أشكل عليه بأن العصر لا يصح إتيانها بعده لأن الوقت وقت مختص بالظهر، و لكن لا يخفى أنه قد تقدم منا إن وقت الاختصاص هو ما بعد أداء الأولى صحيحةً و هو قد صلى الأولى صحيحة لقاعدة (من دخل عليه الوقت) فيكون ما بعد أدائها وقتاً للعصر.

الحكم الخامس: من خاف ضيق الوقت

إذا الإنسان خاف ضيق الوقت عن أداء الظهر و العصر فليبدأ بالعصر ثمّ يأتي بالظهر لصحيح الحلبي في (رجل نسي الأولى و العصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال:

إن كان في وقتٍ لا يخاف فوت أحدهما فليصل الظهر ثمّ يصلي العصر، و إن هو خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً و لكن يصلي العصر فيما بقي من وقتها ثمّ ليصلِّ الأولى بعد ذلك على أثرها

) «1» فإن هذه الرواية تدل على صحة الأولى في الوقت المختص بالثانية لأن قوله

(ثمّ ليصلِّ الأولى بعد ذلك)

تدل بإطلاقها على صحة الصلاة الأولى حتى لو كان الوقت المختص بالثانية باقٍ كله أو جزءه، و هكذا الكلام في المغرب و العشاء لصحيح ابن سنان عن الصادق قال (ع):

(إن نام الرجل أو نَسي أن يصلّي المغرب و العشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلِّهما، فإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلِّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس)

«2» الحكم السادس: جواز صلاة اخرى في وقت الفريضة

يجوز له صلاة أخرى سواء كان تطوع أو قضاء لفريضة أخرى في الوقت المختص حتى مع اشتغال ذمته بصاحبة الوقت لأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده.

الحكم السابع: جواز قضاء الفرائض الخمسة في وقت الحاضرة

يجوز أن يقضي الفرائض الخمس في وقت الحاضرة سواء كان الوقت هو الوقت المختص بها أو المشترك ما لم يتضيّق وقت الحاضرة، لدعوى الإجماع على ذلك من غير واحد و لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال:

(أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتَتْك فمتى ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف و الصلاة على الميت، هذه يصلّيهن الرجل في الساعات كلها)

«3» و لصحيحة معاوية ابن عمار قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

(خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم و صلاة الكسوف و إذا نسيت فصل إذا ذكرت و صلاة الجنازة)

«4»

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 213 باب وجوب الترتيب بين الفرائض، حديث: 4.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 209 باب جواز قضاء الفرائض، حديث: 3.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 174 الحديث: 1.

(4) الوسائل مج 2 ج 1 ص 175 الحديث: 4.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 45

الحكم الثامن: عدم جواز تأخير صلاة المغرب تعمداً

لا يجوز تأخير صلاة المغرب تعمداً طلباً لاستحباب التأخير كما كان يصنع أبي الخطاب و أصحابه ففي الصحيح عن ذُريح قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): (أن أناساً من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم فقال (ع):

أبرأ إلى اللّه من فعل ذلك متعمدا)

«1» و عن أبي عبد اللّه (ع):

(ملعون، ملعون من أخر المغرب طلب فضلها)

«2» و عن الرضا (ع):

(جواز تأخيرها حتى يغيب الشفق للمسافر و الخائف و لطالب الحاجة)

«3» الحكم التاسع: كراهة تقديم صلاة العشاء على ذهاب الحمرة

كراهة تقديم العشاء على ذهاب الحمرة و نُسب للشيخين عدم الجواز. و الحق أن الأخبار الدالة على المنع تحمل على الكراهة جمعاً بينها و بين الصحاح الدالة على الجواز.

الحكم العاشر: استحباب الكفارة على من نام عن صلاة العشاء

حكي عن أبي صلاح إنه تجب الكفارة على من نام عن صلاة العشاء الى نصف الليل بصوم اليوم، و حُكي عن أبي حمزة و المتأخرين استحبابها لإرسال الرواية الدالة عليها، فقد حكي في باب الكفارات عن عبد اللّه بن المغيرة عمن حدثه عن أبي عبد اللّه (ع): (في رجل نام عن العتمة و لم يقم إلّا بعد انتصاف الليل قال (ع):

يصليها و يصبح صائماً)

«4» الحكم الحادي عشر: انكشاف وقوع الصلاة قبل الوقت

أنه لو انكشف له بعد الصلاة أن صلاته وقعت قبل الوقت أعاد صلاته في الوقت أداء و في خارجه قضاءً سواءً كان معتمداً أو ناسياً لاشتراط الوقت في الصلاة أو جاهلًا بأنه يشترط في الصلاة وقوعها في الوقت أو قاطعاً بدخول الوقت أو ظاناً بالظن المعتبر دخول الوقت ففي جميع الصور تقع صلاته فاسدة لحكاية الإجماع و لما دلَّ على اعتبار الوقت في الفريضة و أجزائها، و المشروط عدم عند عدم شرطه و لعموم موثقة أبي بصير عن الصادق (ع):

(من صلى في غير وقت فلا صلاة له)

«5» و لقوله (

لا تعاد الصلاة إلا من الخمس خمس)

و قد عد الإمام من الخمس الوقت، و لما رواه الشيخ عن أبان عن زرارة عن أبي جعفر (ع) و في حديث قال لرجل:

(وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة)

«6» و الظاهر أن المراد إن (رأيت القرص بعد الصلاة) و لا بد أن يكون المراد إذا غاب القرص في نظره و لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) (في رجل صلّى

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 138 الحديث: 12.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 137 الحديث: 6.

(3) الوسائل مج 2 ج 1 ص 140 الحديث: 19.

(4) الوسائل

مج 2 ج 1 ص 157 الحديث: 8.

(5) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(6) الوسائل مج 2 ج 1 ص 122 الحديث: 4.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 46

الغداة بليلٍ غرة من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل قال (ع):

يعيد صلاته)

«1» إن قلت أنه مع قيام الظن المعتبر تكون صلاته لقيام الأمر الظاهري مقام الواقعي.

قلنا مع قيام الدليل على الإعادة يجب الأخذ به و تخصيص القاعدة العامة به، و قد عرفت أن الدليل قد قام على الإعادة أما لو شك بعد الصلاة و الفراغ منها أن صلاته وقعت قبل الوقت أو بعده فالظاهر صحتها كالشك في الاستقبال و الطهارة لقاعدة الفراغ الحاكمة بإلغاء الشك بعد الفراغ، و قد حكي أن المرحوم النائيني لم يجرِ قاعدة الفراغ في هذا الموضع بدعوى أنها إنما تجري في الأمور التي بيد الإنسان فعلها كالطهارة و نحوها دون مثل الوقت، و الأصح هو الأول فإن الاستقبال مثل الإتيان في الوقت حيث أنه كلّ منهما بيده و إنما الخارج عن قدرته نفس القبلة و نفس الوقت.

و الحاصل أن قاعدة الفراغ تشمل الشك في الوقت، و الشك في القبلة، و الشك في الحدث، و هكذا الكلام فيما لو شك في ذلك بعد خروج الوقت فإنه يحكم بصحتها لقاعدة عدم اعتبار الشك بعد خروج الوقت.

الحكم الثاني عشر: دخول الوقت اثناء الصلاة

لو انكشف للمصلّي بعلم أو ظن معتبر بعد الفراغ من الصلاة أن الوقت قد دخل في أثناء صلاته و وقع جزء منها و لو التسليم بناءً على جزئيته في الوقت و الباقي خارجه، فالمشهور صحتها لرواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد اللّه قال (ع):

(إذا صليت و أنت ترى أنك في الوقت و لم يدخل

الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك)

«2» و ما عسى أن يقدح في سند هذا الخبر من جهة جهالة إسماعيل المذكور و ما عن المختلف من أنه (لا يحضرني حاله) فلا وجه له لأن الرواية أعتمد عليها المشهور فهي بحكم الصحيحة إن لم تكن أقوى منها باعتبار رواية المحمدين الثلاث لها في الكافي و التهذيب و الفقيه، و صحتها الى ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه، و حكي العمل بها عن الشيخ و كثير من الأصحاب فهي صحيحة باصطلاح القدماء. و أما لفظ (ترى) فهي تشمل العلم الوجداني و الاطمئنان القلبي و الظن المعتبر، و بعبارة أخرى هو الركون الوجداني و النفسي أما لو انكشف له ذلك في أثناء صلاته دخول الوقت عليه و هو متلبس ببعض أجزائها التي سبق فعلها منه كما لو انكشف له ذلك في الركعة الثانية أنه دخل عليه الوقت و هو في الركعة الأولى، فالظاهر أيضاً صحة صلاته لعموم خبر إسماعيل المتقدم لهذه الصورة لأنه يصدق عليه أنه دخل الوقت في الصلاة التي يرى أنها في الوقت.

أما لو انكشف له في أثناء الصلاة أنه لو أتمها دخل الوقت عليه كانت فاسدة لأنها قد وقعت بعض أجزائها و هي المتقدمة غير مستوفية لشرطها و هو الوقت، و المشروط عدم عند عدم الشرط و لا دليل على اجتزاء المولى و اكتفاءه بها في مقام الإطاعة فإن الخبر المذكور و هو خبر إسماعيل لا يشملها لأنه لم يكن الوقت دخل عليه و هو يرى أنه في الوقت و لم يكن لنا دليل على الصحة و عدم الدليل دليل العدم.

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 204 الحديث:

1.

(2) الوسائل مج 2 ج 1 ص 150 باب من صلى ظاناً دخول الوقت.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 47

أما لو شك في دخول الوقت في أثناء صلاته أو شك في أن صلاته في الوقت أيضاً كانت فاسدة لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

الحكم الثالث عشر: الجاهل بدخول الوقت

إن الجاهل بدخول الوقت بمعنى أنه يرى أن الوقت قد دخل أو الجاهل باعتبار الوقت في الصلاة بمعنى أنه جاهل بأن الوقت شرط للصلاة أو الناسي لذلك و الذاهل لو تبيّن له وقوع الصلاة خارج الوقت فالصلاة فاسدة بلا خلاف لأنها فاقدة لشرطها و المشروط عدم عند عدم شرطها و لما ورد عن الصادق (ع):

(أن من صلى من غير وقت فلا صلاة له)

«1» أما لو كانت واقعة في الوقت فقد تقدم أنه لو دخل عليه الوقت و هو متلبس و لو بالتسليم و كان ما أتى به يرى أنه في الوقت فهي صحيحة لرواية إسماعيل بن رياح المتقدمة.

أما لو كانت واقعة جميعها في الوقت و هو يرى أنها في الوقت كانت أيضاً صحيحة بمقتضى مفهوم الأولوية للرواية المذكورة و إن كان غافلًا عن ذلك أو ظاناً ظناً غير معتبر و تأتى قصد القربة منه، فالظاهر صحتها لأنها وقعت جامعة للشرائط في الواقع.

إن قلت أن الواجب مراعاة الوقت فلم يأتِ بالمأمور به على وجهه.

قلنا وجوب المراعاة من باب المقدمة العلمية لإتيان الصلاة في الوقت للملتفت، أما الناسي و الجاهل جهلًا مركباً باشتراطه و الذاهل فلا يجب عليه المراعاة للوقت لأنه غير ملتفت الى الوجوب.

إن قلت أن قصد التقرب لم يحصل لأنه لم يعلم بحصول الشرط و هو الوقت.

قلنا أنه لما كان يرى أن الصلاة صحيحة لعدم التفاته الى أنها مشروطة بالوقت أو

ناسياً لاشتراطها به فهو يتأتى منه قصد القربة.

و الحاصل أن الجاهل المذكور و الناسي المذكور لما كان غير ملتفت الى اشتراط الوقت يرى أن العمل العبادي هو أن الذي يأتي به يحصل به قصد القربة غير متزلزل و لا متردد فيه، و لا يعتبر في مقام الامتثال و الطاعة إلا الإتيان بالمأمور به مع قصد القربة مطابقاً لما عند الآمر و إن كان حصول الشرط بمجرد الاتفاق إذ لا يخفى أن محصولية الصلاة في الوقت لا يعتبر فيها قصد القربة و إنما المعتبر وجودها الواقعي و المفروض أنها قد وجدت.

إن قلت لقد حكي من الأخبار ما يدل على اشتراط صحة العمل بالعلم لقوله (ع):

(لا عمل إلا بالفخ و المعرفة و بالعلم و بإصابة السنة)

و قوله (ع):

(لا يقبل اللّه عملًا إلا بالمعرفة)

و قوله (ع):

(من لا يعرف ولاية ولي اللّه فتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه و لا يكون من أهل الإيمان)

. قلنا هذه الأخبار و أمثالها إنما رد على من عمل بالرأي من دون دليل أو برهان و من دون مراجعة المرجع الديني في ذلك الزمان و إلا فالمطلوبات للشارع التوصلية لا يعاقب العبد عليها فيما لو كان عمله على طبقها اتفاقاً كما أن قسماً من الأخبار لبيان أن المكلف لو أتى بالعمل المطلوب ببعض ما أعتبر فيه اتفاقاً لا يثاب على ذلك العمل و لا على ذلك البعض منه و إن كان موافقاً للواقع و لم يقصد القربة منه كما هو مقتضى العقل.

______________________________

(1) الوسائل مج 2 ج 1 ص 122 باب 13 بطلان الصلاة قبل تيقن دخول الوقت.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 48

الحكم الرابع عشر: عروض الأعذار الرافعة للفريضة

اشارة

إذا عرض للمُكلف أحد

الأعذار الرافعة لوجوب الفريضة كالجنون و الحيض و النفاس و الإغماء و فقد الطهورين و نحوها على التفصيل الذي يجي ء في مبحث القضاء في الوقت بعد مضي مقدار الإتيان بها صحيحة بشرائطها كالطهارة المائية أو الترابية و غير ذلك مما يعتبر في الإتيان بها صحيحة وجَبَ عليه أداء الفريضة حال الخلو من العذر فإن أداها فلا إشكال و إلا وجب عليه قضاءها المقدار من الوقت هو المقدار الذي يكون بحسب حاله في ذلك الوقت من السفر و الحضر.

أو التيمم لفقد الماء أو الوضوء أو الغسل مثلًا لو كان يحتاج الى طهارته البدنية و الحدثية و الستر في أداء الفريضة نصف ساعة و دخل عليه الوقت و جاءه العذر بعد نصف ساعة فإن أدى الفريضة فلا إشكال و إن لم يؤدها في هذا النصف من الساعة وجب عليه قضاؤها و ذلك للإجماع و لصدق الفوت المستلزم للقضاء لقوله (ع) (

من فاتته فريضة فليقضها)

«1» أما لو عرض عليه المانع في الوقت بحيث لم يمكن أداؤها بمقدماتها كما لو أغمي عليه في المثال المذكور بعد ربع ساعة فلا قضاء عليه. هذا هو مقتضى القاعدة كما أدعي للإجماع عليه إلا إذا قام الدليل على خلافه كالنائم فإنه لو لا النص و الإجماع على وجوب القضاء لكان مقتضى القاعدة سقوطه عنه و كالحائض فإنها تقضي الصوم للدليل عليه. و قد أستدل على هذه القاعدة بروايتين:

الأولى: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه (ع): (في امرأة إذا دخل وقت الصلاة و هي طاهر حتى حاضت قال

تقضي إذا طهرت)

«2» و سند هذه الرواية موصوف بالموثقية في كلام جمع و إن وقعت المناقشة

في ذلك من بعضهم لكن انجبارها بالشهرة و الإجماعات المنقولة يوجب الوثوق بها.

الثانية: رواية الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد عن شاذان بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة، قال:

نعم)

و ضعفها منجبر بالشهرة و الاجماعات المنقولة.

إن قلت أن هذه الرواية شاملة لما إذا لم يمض مقدار الفريضة بمقدماتها المعتبرة فيها و قد حكم فيها بالقضاء بوجه العموم.

قلنا أنها لما كانت حجيتها بالشهرة و الإجماع المنقول فيؤخذ مؤداها بمقدار ما هو المشهور و المنقول بالإجماع عليه و من المعلوم أنهما انما قاما على خصوص ما إذا مضى من الوقت مقدار أداء الفريضة على أنها مخصصة بخروج هذه الصورة بمفهوم الرواية التي قبلها و هي رواية يونس.

إن قلت أن الخبر الحسن بأبي الورد الذي هو كالصحيح الذي رواه ثقة الإسلام بسنده عن أبي الورد قال: سألت أبا جعفر (ع) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر قد صلت ركعتين

______________________________

(1) انظر: وسائل الشيعة مج 2 ج 1 باب 39 عدم كراهة القضاء ص 174- 177.

(2) وسائل الشيعة، ج 2/ باب وجوب الرجوع في العدة و الحيض إلى المرأة و تصديقها فيهما إلا أن تدلي خلاف عادة الفقهاء، الحديث 2362، ص 358. الصفحة التالية الصفحة السابقة أعلى الصفحة

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 49

ثمّ ترى الدم قال (ع):

(تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين و إن كانت رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا طهرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب)

. فإن هذا دلت على خلاف ما ذكرناه من عدم وجوب القضاء لو

كان المقدار من الوقت لا يسع الفريضة و دلت على قضاء قسماً من الفريضة لو الوقت وسع بعضها.

قلنا أجيب بالطعن في سندها و هو كما ترى فإن أبي الورد حسن ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فالأولى في الجواب أن يقال أن صدر الرواية يوافق المشهور بل و الإجماع و أما ذيلها من إثبات القضاء للركعة فيما لو كانت أتت بركعتين من المغرب فإنه مما لم يقل به أحد إلا الصدوق و مدعى قضاء تمام المغرب لا ركعة منه فهو من الشواذ فلا يثبت به الحكم الشرعي المخالف للقاعدة فإن الركعة الواحدة بتراء غير مشروعة و هذه الأدلة و إن كانت مختصة بالحائض إلا أنه يتم الحكم بضميمة عدم الفصل.

تنبيهات
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور:

التنبيه الأول: إنه لا فرق في ذلك بين أول الوقت أو آخره أو وسطه

فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت بمقدار الفريضة استقر الوجوب عليه فيأتي بها أداءً و إذا لم يأتِ بالفريضة أتى بها قضاءً.

التنبيه الثاني: أن المراد في مقدار الوقت الموجب مضيّه قبل عروض مخطور ثبوت القضاء إنما هو المقدار من الوقت الذي يفي لأقل ما يمكن من الفريضة

بحسب حال المعذور قصراً و إتماماً و سرعة و بطأً، و عن نهاية الأحكام أن المرأة لو طوّلت صلاتها فحاضت في أثنائها و الماضي من الوقت يسع تلك الصلاة لو خففها لزمها القضاء.

إن قلت أن لها التطويل و هو يمنع من ثبوت القضاء عليها لو طولت فحاضت قبل الفراغ.

قلنا أن الأذن يوجب عدم فسقها في التطويل و لا يلزم من ذلك عدم ثبوت القضاء الدائر مدار الفوت الثابت في المقام، و قد حكي عن جماعة إنه لو كانت صلاة المعذور مما يتخير فيه بين القصر و الإتمام كفى في ثبوت القضاء مضي وقت الصلاة المقصورة و إن شرع فيها تامة، و إذا أراد أن يقضي قضاها مقصورة لأن الفرض عدم سعة الوقت لإتيانها تامة، و من المعلوم أن أحد طرفي الواجب المخيّر يتعين عند تعذر الآخر و إن قضاء ما فات يلزم أن يكون على النحو الذي فات كذا أفاده المحقق المامقاني.

التنبيه الثالث: إن إمكان تقديم الشرط على الفريضة كإمكان التطهير قبل الوقت للصلاة لا يوجب ثبوت القضاء للصلاة

إذا حصل العذر بعد الوقت مقدار فعل الصلاة فقط، بل أن ما يوجب لو كان المقدار من الخلو من العذر في الوقت يسع الفريضة بشروطها و إن أمكن إتيان الشروط قبل الوقت لعدم صحة الخطاب بالفريضة مع شرطها في الوقت لضيقه و لا قبل الوقت لأنه لا خطاب قبل الوقت بالفريضة. نعم لو كان المكلف متطهراً حين دخول وقت الفريضة فدخل الوقت و مضى من الوقت ما يسَع الصلاة دون الطهارة وجب القضاء إذا لم يأتِ بالفريضة لثبوت الصلاة في حقه و توجه الخطاب بها إليه فعند عدم الإتيان بها يصدق الفوت.

التنبيه الرابع: أن صلاة العصر لمن عَرض عليه العذر بعد دخول الوقت مقدار صلاة الظهر لا يجب عليه قضاءها

إلا إذا زال العذر في وقتها و أمكنه أداءها فيه و هكذا صلاة

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 50

العشاء لا يجب قضاءها لمن عرض عليه العذر بعد مقدار صلاة المغرب إلا إذا زال العذر عنه في وقتها مقدار أدائها.

التنبيه الخامس: قال بعضهم إنا إن أوجبنا التيمم لضيق الوقت عن الطهارة المائية أمكن هنا اعتبار مقدار التيمم و الصلاة

و ينسب الى صاحب كاشف اللثام ذلك، و حاصله إن من يمنع من التيمم لضيق الوقت عن المائية يلزمه اعتبار مقدار الطهارة المائية و إن من يجوّزه يلزمه اعتبار الطهارة الترابية. و الحق أن المعتبر هو مقدار الطهارة المائية و إن جوّزنا اعتبار الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الطهارة المائية لأن المستند في ذلك هو قاعدة (من أدرك) و قد تقدّم إنها لا تشمل صورة من أدرك ركعة من الوقت للطهارة الترابية عند ضيق الوقت عن الطهارة المائية. نعم لو كان الباقي من الوقت هو مقدار الصلاة بطهارتها الترابية من غير جهة ضيق الوقت كما لو كان من جهة عدم وجدان الماء وجب عليه الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية و إن لم يأتِ بها فعليه قضاءها.

الحكم الخامس عشر: من أحكام الوقت

لو أشتغل بالصلاة اللاحقة في الظهرين أو العشاءين للقطع بإتيان السابقة عليها أو غفل عنها ثمّ انكشف له عدم الإتيان بالسابقة فتارةً يكون قد أتى باللاحقة في الزمن المختص بالسابقة كأن أتى بالعصر في الزمن المختص بالظهر أو أتى بالعشاء في الوقت المختص بالمغرب فلا إشكال في بطلان اللاحقة لأنه أتى بها في غير وقتها كمن أتى بها قبل دخول الوقت سواء كان التذكر في الأثناء أو بعد الفراغ.

إن قلت أن هذا يتم في الظهرين و أما في العشاءين فلا تكون العشاء باطلة لقاعدة (من أدرك).

قلنا أنها لما وقعت في وقت الاختصاص للمغرب صارت فاسدة و إن أدرك ركعة منها لما عرفت من أدرك وقت الاختصاص يمنع من وقوع الشريكة فيه و لا أجزائها فيه.

إن قلت أن ما في حسنة الحلبي من أنه سأل أبو عبد اللّه (ع) (عن الرجل أمَّ قوما في العصر فذكر و هو يصلي أنه

لم يصل الأولى، قال (ع):

فليجعلها الأولى التي فاتته بعد صلاة العصر قضى القوم صلاتهم)

«1» و في صحيحة زرارة

(إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثمّ صلّى العصر لأنها مكان أربع)

«2» فإنهما ظاهران بعمومهما و إطلاقهما أنه لو تذكر في أثناء إتيانهما في الوقت المختص أن صلاتهما صحيحة و يعدلان الى صلاة الظهر.

قلنا أنهما مخصصان بغير صورة الإتيان في وقت الاختصاص مضافاً الى دعوى ظهورهما في غير صورة وقت الاختصاص و قد تقدم الكلام في ذلك في مبحث ثمرات الاختصاص.

و تارةً يوقع اللاحقة قبل السابقة في الوقت المشترك كما لو اوقع العصر قبل الظهر في الوقت المشترك بينهما أو العشاء قبل المغرب في الوقت المشترك بينهما فإن تذكر بعد الفراغ كأن تذكر بأن الظهر لم يأتِ بها بعد أن فرغ من العصر و كما تذكّر بأن المغرب بعد أن فرغ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 4/ باب وجوب الترتيب .../ ص 292، التهذيب/ ج 2/ ص 197، الكافي/ ج 3/ ص 294.

(2) تهذيب الأحكام/ ج 3/ ص 158.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 51

من العشاء لم يأتِ بها فمقتضى صحيحة (لا تعاد) هو صحة الصلاة لأنها لم تكن فاقدة لواحدة من الأمور من الأمور الخمسة الموجبة للإعادة و إنما فترة التأخر عن الظهر في المثال الأول و التأخر عن المغرب في المثال الثاني و هو ليس من الأمور الخمسة، و تارةً تذكر في الأثناء فيعدل بها إلى السابقة كأن تذكر في أثناء إتيان العصر أنه لم يأتِ بالظهر فيعدل إلى الظهر و يتمها ظهراً ثمّ يأتي بالعصر و ذلك للإجماع و صريح صحيحة زرارة المتقدمة قبل أسطر

و صريح حسنة الحلبي المتقدمة قبل أسطر و المراد بالعدول أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة بالنسبة لما تقدم من أجزائها و ما تأخر منها لما تقدم من حسنة الحلبي و صحيح زرارة فإن في الحسنة

(فليجعلها الأولى)

و في الصحيحة

(فانوها الأولى)

و هكذا لو أتى بالعشاء قبل المغرب في الوقت المشترك إلا أنه لو تذكر في أثناء العشاء أنه لم يأتِ بالمغرب و قد تجاوز محل العدول كأن تذكّر و قد دخل في الرابعة يتمها عشاءً لقاعدة (لا تعاد) فإنها تشمل هذه الصورة فتدل على صحة الأجزاء الماضية لأنها لم يكن فيها أحد الخمسة التي توجب الإعادة فتكون صحيحة و بواسطة ما دل على عدم إبطال الأعمال لا يجوز إبطال ما صدر عنه فيكمله بباقي الأجزاء.

و مما يدل على شمول (لا تعاد) للمقام أنه لو أدرك في أثناء الوظيفة الخلل ببعض أجزائها من غير الخمسة المذكورة يحكم بصحة الوظيفة بحكم (لا تعاد) و في الفقرات التي رواها الكليني عن زرارة بعد هذه الصحيحة على وجه يظهر منه كونها متممة هذه الرواية

(و إن كنت قد صليت العشاء و نسيت المغرب فقم فصلِّ المغرب و إن كنت ذكرتها فقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلم ثمّ قم فصلِّ العشاء الآخرة)

«1» الحكم السادس عشر: من أحكام الوقت

اشارة

في الترتيب و عدمه في الصلاة اليومية و

فيه مسائل:
الأولى: إنه يجوز تقديم الحاضرة على الفائتة المتصلة بها أو الشريكة لها في الوقت أعني الظهرين أو العشاءين

و لا ترتيب بينها فلو فاتته صلاة الصبح و دخل وقت الظهر يجوز له أن يصلي الظهر أولًا ثمّ يقضي الصبح في أي وقت شاء و يسقط الترتيب بينهما من غير فرق بين كونها فاتته اليوم أو غيرها، و هو المشهور بين الفقهاء و القول بذلك هو القول المعروف بالمواسعة كما أن القول بوجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مطلقاً هو القول المعروف بالقول بالمضايقة المحضة، و المراد بكونها محضة هو لزوم المبادرة الى القضاء أي فوريته و تقديمه على الأداء و وجوب العدول إليه لو ذكره في الأثناء و بطلان الحاضرة لو قدّمها، كما أن القول بإتيان الفائتة قبل الحاضرة من دون فورية القضاء للفائتة هو القول بالمضايقة غير المحضة، و عن ابن فهد التصريح بأن الترتيب هو القول بالمضايقة و أن عدمه هو القول بالمواسعة، و بعضهم جعل البحث عن لزوم المبادرة في القضاء و فوريته مسألة و البحث عن لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة مسألة أخرى. و المحكي عن العلامة في التذكرة و التحرير أنه أفرد للفورية مسألة و للترتيب مسألة أخرى.

______________________________

(1) الكافي/ ج 3/ ص 292، التهذيب/ ج 3/ ص 159، الوسائل/ ج 4/ ص 291.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 52

و الحاصل أنه حكى الشيخ المحقق ملا كتاب أن الأقوال في هذه المسألة و هي جواز تقديم الحاضرة على الفائتة و تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة الوقت قد تزيد على عشرين قولًا، و الأظهر ما عليه أكثر المتأخرين من جواز تقديم الحاضرة على الفائتة حتى مع سعة الوقت و سقوط الترتيب بينها و بين الفائتة بمعنى جواز إتيان الحاضرة قبلها و

عدم فورية القضاء و يدل على ذلك أمور:

الأمر الأول: ما هو المحكي عن كتاب الفاخر للجعفي الذي ذكر في خطبته أنه ما روى فيه إلا ما أجمع عليه الصحابة و صح من قول الأئمة (ع) من قوله. و الصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل عليه وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها و قضى الفائتة متى أحب.

الأمر الثاني: ما رواه الشيخ في الصحيح أو القوي بأبي بصير عن الصادق (ع) قال: (

إن نام الرجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصليهما و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة)

«1» الحديث و مثله ما حكي عن فقه الرضا (ع) مع تبديل النوم بالنسيان.

الأمر الثالث: ما هو المحكي في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و إن استيقظ بعد الفجر فليصلِّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس)

«2» و هذه الأخبار صريحة الدلالة عن المطلوب للأمر فيها بتقديم الفجر على العشاءين في وقت أجزائها أو فضيلتها أيضاً.

إن قلت يقدح في هذه المرويات لما تضمّنته من امتداد وقت العشاءين الى الفجر و إن كان موافقاً لمذهب جمع بين العامة و مخالفاً لما هو المشهور بين الأصحاب من انتهاءه بانتصاف الليل.

قلنا لا يقدح فيها ذلك لأن الحكم بتقديم الحاضرة على الفائتة مخالف للتقية، و اشتمال بعض

الخبر على حكم موافق للتقية لا يوجب القدح في الخبر بالنسبة لاشتماله على الحكم المخالف للتقية لاحتمال حدوث موجب للتقية في آخر الكلام فإنه قد يتكلم المتكلم بكلام مخالف للتقية و في الأثناء يحدث ما يوجب التقية فيؤخذ بالخبر بالنسبة لما يخالف التقية و يطرح ما وافق التقية على أن القول بامتداد وقت المضطر الى طلوع الفجر لا يخلو عن قوة، فقد ذهب إليه جماعة من أصحابنا القدماء و المتأخرين و به قضت جملة من النصوص فلا وجه لرفض الخبرين من جهته فإن النائم مضطر الى الترك.

الأمر الرابع: ما ورد من جواز تأخير قضاء صلاة النهار الى الليل كقول الصادق (ع) في صحيح ابن أبي يعفور

(صلاة النهار يجوز قضاءها أي ساعة شئت من ليلٍ أو

______________________________

(1) الاستبصار/ ج 1/ ص 288، التهذيب/ ج 2/ ص 270.

(2) الاستبصار/ ج 1/ ص 288 لكن عن ابن مسكان.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 53

نهارٍ)

«1» فإنها تدل على جواز القضاء للفائتة بعد الحاضرة بل هو واضح الدلالة على عدم لزوم الترتيب حيث أن تأخيرها الى الليل موجب لتقديم الفرائض النهارية عليها.

إن قلت أن المراد بالنهارية النافلة.

قلنا إطلاق صلاة النهار و عمومها الناشئ عن ترك الاستبصار يثبت المطلوب سيّما و أن صلاة النهار كثير ما تطلق على خصوص الفريضة كقوله (ع):

(صلاة النهار عجماء)

«2» و قوله (ع):

(في صلاة الفجر و هي من صلاة النهار)

و قوله (ع):

(الصلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار و هي الظهر)

و قوله (ع): في الرجل يصلي بوضوء واحد صلاة الليل و النهار فقال (ع):

(نعم ما لم يحدث)

«3» و قوله (ع)

(لا بأس بأن يصلي صلاة الليل و النهار بتيمم واحد)

«4». الأمر الخامس: المرسل في الفقه الرضوي أنه سئل

العالم (ع):

(عن رجلٍ نام أو نسي فلم يصلَّ المغرب و العشاء، قال (ع): إن استيقظ قبل الفجر يصلِّيهما و إن خاف أن تفوته إحداهما بدأ بالعشاء الآخرة فإن استيقظ بعد الصبح فليصلِّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلِّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تنبسط الشمس)

«5»، و المناقشة فيه بإرسال لا تسمع بعد اعتضاده بالشهرة و انجباره بفتوى أكثر الأصحاب و هذه الأخبار صريحة الدلالة على المطلوب للأمر فيها بتقديم الفجر على العشاءين مطلقاً سواءً في وقت أجزائها أو فضيلتها كما أنه يستفاد منها عدم الفورية في قضاء العشاءين للأمر في بعضها بتأخير قضاء العشاءين في انبساط الشمس و ذهاب الشعاع، و لا يقدح في الاستناد إليها مخالفة الحكم فيها لتأخير القضاء عن الوقت المكروه و موافقته لمذهب المخالفين لجواز حدوث موجب التقية في آخر الكلام مع أن حملها على التقية من هذا الوجه لا يأبى العمل بها فيما اشتملت عليه أيضاً من الحكم المخالف للتقية و هو تقديم الحاضرة على الفائتة.

الأمر السادس: موثق عمار عن الصادق (ع) قال:

(سألته عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر العتمة فقال (ع): إذا حضرت العتمة و ذكر أن عليه صلاة المغرب فإن أحبَ أن يبدأ بالمغرب بدأ و إن أحب أن يبدأ بالعتمة ثمّ صلى المغرب)

«6» بعد بناءً على إرادة الليلة السابقة منه و إلا فالمشهور عدم تحقق فوات المغرب مع سعة وقت العشاء لأداء المغرب.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3.

(2) مستدرك الوسائل/ ج 4/ باب استحباب الجهر/ باب 18/ ج 4457- 1.

(3) مستدرك الوسائل/ ج 1/ باب جواز إيقاع الصلوات الكثيرة/ باب 7/ ج 652- 3.

(4) الاستبصار/ ج 1/

ص 163، التهذيب/ ج 1/ ص 201، الوسائل، ج 3، ص 380 باب جواز إيقاع صلوات كثيرة بتيمم واحد.

(5) التهذيب/ ج 2/ ص 270، الاستبصار ج 1، ص 288 بلفظ مختلف.

(6) الاستبصار/ ج 1/ ص 288، التهذيب/ ج 2/ ص 271، الوسائل/ ج 4/ ص 289 باب جواز قضاء الفرائض.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 54

الأمر السابع: ما رواه السيد ابن طاوس على ما حكي عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد و ذكر أنه قال ما هذا لفظة صفوان عن عيسى ابن القاسم قال:

(سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال (ع): إن كان صلاة الأولى فليبدأ بها و إن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثمّ يصلِّ العصر)

، و هو واضح الدلالة على المطلوب من حيث الأمر بتقديم صلاة العشاء الحاضرة على صلاة العصر الفائتة. لكن يشكل على هذا الخبر التفرقة فيه بين الظهرين.

و يمكن الجواب عنه أن الخبر إذا كانت بعض فقراته صريحة في المطلوب أخذ بها و إن كانت باقي الفقرات مغلقة مبهمة لا يعلم المراد منها إلا المتكلمون بها على إنه يمكن توجيه بأن المراد من قوله

(إن كان صلاة الأولى)

هي الظهر بالنسبة الى العصر و المغرب بالنسبة الى العشاء، و المراد فليبدأ بها هو البدء بها عند القضاء و تكون هذه الفقرة من الخبر هو الإشارة الى وجوب الابتداء بالصلاة الأولى و تقديمها على الثانية في وقت القضاء كما أن الفقرة الثانية و هو قوله

(و إن كانت صلاة العصر)

أنه إذا كانت الفائتة هي الثانية فليقضيها وحدها لا مع الأولى التي هي شرط في صحة الثانية.

الأمر الثامن: ما رواه الحميري في

قرب الأسناد عن عبد اللّه بن حسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع):

(سألته عن رجلٍ نسي الفجر حتى حضرت الظهر قال: يبدأ بالظهر ثمّ يصلِّ الفجر كذلك كل صلاة بعدها صلاة)

«1». الأمر التاسع: ما في صحيح ابن مسلم المروي في الوسائل باب 39 من أبواب المواقيت قال:

(سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال (ع): يقضيها إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء)

«2» الأمر العاشر: ما حكي عن صحيح الحلبي إنه سُئِل أبو عبد اللّه (ع) عن رجلٍ فاتته صلاة النهار متى يقضيها قال (ع):

(متى شاء إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء)

«3» الأمر الحادي العاشر: صحيح ابن أبي يعفور سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

(صلاة النهار يجوز قضاءها أي ساعة شئت من ليلٍ أو نهارٍ)

«4» الأمر الثاني عشر: الإجماعات المنقولة التي منها ما ذكره الجعفي في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه و صح من قول الأئمة (ع)، و عن المصابيح و شرح الغوالي نسبته الى المشهور بين المتقدمين عن جمع من العلماء دعوى الإجماع عليه.

الأمر الثالث عشر: ما رواه الشيخ في المرسل عن جميل بن دراج عن الصادق (ع) قال:

(قلت له يفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة، قال: يبدأ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 5/ ص 349، الوسائل ج 8 ص 255.

(2) الوسائل/ ج 3/ باب المواقيت/ باب 39، ح 6.

(3) الوسائل/ ج 4/ ص 241/ باب 39، حديث 5036.

(4) الوسائل/ ج 4/ ص 243، أبا 39، حديث 5041.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 55

بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد

ترك صلاة الفريضة في وقت دخلت ثمّ يقضي ما فاته الأولى فالأولى)

«1» و قد رواه الشهيد في الذكرى بتغيير يسير غير مغير المعنى و لا يضر إرسالها بعد شهرتها و شهرة الفتوى بمضمونها و وجه الدلالة فيها واضح على أن صاحبة الوقت تقدم على صلاة اليوم قضاءً.

إن قلت أنه يقدح فيها السؤال عن فوات المغرب في وقت العشاء و الجواب عن قضاء المغرب بعد العشاء مع أن الواجب هو تقديم المغرب على صلاة العشاء.

قلت إن الاستدلال إنما كان بكلام الإمام و هو قد تضمن البدء بصاحبة الوقت مطلقاً إذا دخل وقتها حتى عند الذكر لما فاته من صلاة اليوم فذكر المغرب لا يوجب سقوط الجواب عن قابلية الاستدلال بالرواية مع أن ظاهر الرواية بل صريحها هو تقديم صلاة الوقت الحاضرة و هي العشاء على قضاء الظهرين و هو كاف في إثبات المطلوب مطلقاً بملاحظة التعليل المذكور فيها، مع إنه الظاهر هو وقت العشاء المختص فإنه لا يجوز صلاة المغرب قبله بل أن عدول الإمام عن قوله (يبدأ بالعشاء) الى قوله

(يبدأ بالوقت الذي هو فيه)

إيماء الى أن تذكر المغرب كان في الوقت المختص بالعشاء.

الأمر الرابع عشر: خبر صفوان عن العيص بن القاسم المحكي عن مستدرك الوسائل في أبواب قضاء الصلاة، قال: سألت أبا عبد اللّه (ع)

(عن رجلٍ نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إن كان صلاة الأولى فليبدأ بها و إن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثمّ يصلي العصر)

«2» و لا ريب أن المراد (بالأولى) هي الظهر و الإنسان إذا نسي الظهر في وقت العصر الذي يكون بعد مقدار أداء الظهر مبدأه إنه يجب عليه الإتيان بالظهر قبل العصر.

الأمر الخامس

عشر: ما عن الحلبي الذي عُرض على مولانا الصادق (ع) و أثنى عليه و صحَّحه و استحسنه من قوله

(خمس صلوات يصلين على كل حال و متى أحب صلاة فريضة نسيها يقضيها مع طلوع الشمس و غروبها و صلاة ركعتي الإحرام و ركعتي الطواف الفريضة و كسوف الشمس)

، فإن قوله (ع)

(متى أحب)

فإنه فيه ظهور في جواز التأخير.

الأمر السادس عشر: ما عن الجعفي في كتاب الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لم يرو فيه إلا ما أجمع عليه و صح عنده من قول الأئمة (ع) من قوله ()

(و الصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها و قضى الفائتة)

و ورد عليه بأنه ليس من إرسال المتن حتى ينجبر بعمل الأصحاب و إنما هو من إرسال المضمون الذي لا ينجبر بالعمل عند أهل التحقيق لرجوعه الى اجتهاد المرسل (بالكسر) الذي ليس بحجة في حق غيره من المجتهدين.

الأمر السابع عشر: ما عن السيد ابن طاوس في رسالة المواسعة عن أمالي السيد أبي طالب الحسيني بإسناده الى جابر بن عبد اللّه قال:

(يا رسول اللّه (ص) كيف أقضى؟ قال

______________________________

(1) التهذيب/ ج 2/ ص 353، الوسائل/ ج 8/ ص 257.

(2) مستدرك الوسائل/ ج 6/ أبواب قضاء الصلاة/ باب 1/ ح 7150- 6.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 56

رسول اللّه (ص) صلِّ مع كل صلاة مثلها، قال: يا رسول اللّه قبل أم بعد؟ قال: قبل)

فإن ظاهر المعية هو كون صلاة القضاء بعد و الصلاة الحاضرة قبل.

الأمر الثامن عشر: ما في الذكرى عن إسماعيل بن جابر قال:

(سقطت عن بعيري فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبعة عشر ليلة مغمىً عليّ فسألته عن ذلك قال اقضِ

مع كل صلاة صلاة)

«1» فإنه لو كان القضاء فوري لأمره (ع) بإتيانها قبل الحاضرة جميعاً.

الأمر التاسع عشر: الأخبار المرخصة لقضاء صلاة الليل في النهار و قضاء صلاة النهار في الليل إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء مثل الصحيح الذي رواه الكليني بإسناده عن محمد بن مسلم قال:

(سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار، قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء)

«2» و لا يقدح الإضمار بعد كون المضمر مثل محمد بن مسلم.

الأمر العشرون: الأخبار المتضمنة لقصة نوم النبي (ص) ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن الرباطي عن سعيد الأعرج قال:

(سمعت أبا عبد اللّه (ع): يقول أن اللّه أنام رسوله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثمّ قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثمّ صلى الفجر)

«3» فإن جواز التنفل قبل إتيان الفائتة يدل بطريق الأولوية على جواز الحاضرة قبل الفائتة.

نعم حكي عن العلامة أنه قال بعد ذكر بعض الأخبار في نوم النبي عن صلاة الصبح أن حديثهم باطل لاستحالة صدور ذلك عن النبي (ص).

أقول إن الأخبار التي وردت في نوم النبي (ص) و قضائه للصلاة قبلها النافلة لا إشكال في سندها لصحة سند جملة منها و لا إشكال في دلالتها و حكى عن الذكرى بعد ذكر الرواية الدالة على ذلك أنه لم يقف على رد لهذا الخبر من حيث توهم القدح بالعصمة فيه.

أقول أنها لا تقدح بالعصمة لأن الترك للواجب بسبب النوم ليس بمعصية حتى يقدح بالعصمة.

و ما قيل أنها مردودة كأخبار سهو النبي (ص) الذي ذهب إليه الصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد. باطل إذ تجويز السهو على النبي (ص) موجب للشك في صدق تبليغه لأنا إن جوزنا

السهو عليه جوزنا السهو في كل أعماله و أقواله فيسقط تبليغه عن الحجية فتسقط فائدة إرساله.

أما نومه فلا يوجب ذلك كالمرض الذي يعرض عليه (ص) فيصلي من جلوس.

إن قلت أن عموم التشبيه في قوله (ع):

(فليقضها كما فاتته)

فإنه ينوي متلقى بالقبول يقتضي قضاء الفائتة قبل الحاضرة.

قلنا أولًا: إنا لا نسلم شموله للترتيب و نحوه من الأوصاف الاعتبارية الاعتيادية و إنما هو ظاهر بالنسبة لمادة الهيئة و الكيفيات المجعولة للشارع، أما مثل الترتيب بين الحاضرة و الفائتة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8/ ص 367، باب 4، ح 10619.

(2) الوسائل ج 3، أبواب المواقيت/ باب 39/ ح 6.

(3) الوسائل/ ج 8، ص 356، باب 3، ح 10575.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 57

من جهة الأسبقية في الوقت كالصبح و الظهر فإنه من توابع الوقت و تعاقب الزمن و تدرجه مثل أيام الصيام لا أنه منحول شرعاً للصلاة بحيث تكون صحة المتأخرة موقوفة على فعل المتقدمة.

نعم في الظهرين و العشاءين من يوم واحد كان الترتيب بينهما مجعولًا شرعاً فلو سلّم شموله للترتيب كان المشمول هو الترتيب المجعول شرعاً للصلاتين كالظهرين و العشائين ليومٍ واحد.

و ثانياً: أن الرواية المذكورة مخصصة بالأدلة المتقدمة الدالة على جواز إتيان الحاضرة قبل الفائتة فلا تعارض بينهما.

و ثالثاً: أن عموم هذا التشبيه مخصص بكثرة فهو موهون لا يصح الأخذ به كعمومات القرعة فإنه مخصص بصورة ما لو فاتته الصلاة قائماً و صلى مستلقياً أو فاتته الصلاة مع القراءة لأنه صلى جماعة.

إن قلت إنه يعارض هذه الأخبار أخبار المضايقة الدالة على تقديم الفائتة على الحاضرة و العدول من الحاضرة إليها في الأثناء.

قلنا أن العمدة من الأخبار التي استدلوا بها على المضايقة و عدم جواز تقديم الحاضرة على

الفائتة هي أن:

الأول: منها الصحيح المحكي عن الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت عن صفوان عن أبي الحسن (ع) قال:

(سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان قد صلى العصر، فقال (ع): كان أبو جعفر أو كان أبي (ع) يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها و إلا صلى المغرب ثمّ صلاها)

«1» الثاني: منها صحيح زرارة المحكي عن الوسائل (باب 2) من أبواب قضاء الصلاة عن أبي جعفر (ع) أنه (ع)

(سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصليها أو نام عنها فقال (ع): يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت)

«2» و لا يخفى أنه يمكن المناقشة في الاستدلال بهذا الخبر بأن الظاهر أن المراد به الوقت الفضلي إذ من المستبعد هو فوات الوقت غير الفضلي لأن المضيق المخاف فوته هو الوقت الفضلي للفراغ، فتدل الرواية على التوسعة في القضاء للفائتة و أنه يجوز تأخيرها عن وقت الصلاة.

الثالث: صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر (ع) قال:

(إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلاة فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم ثمّ صلّها ثمّ صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة، و قال: قال أبو جعفر (ع): إن كنت صليت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها فصلِّ الغداة أي ساعة ذكرتها و لو بعد العصر و متى ما ذكرت صلاة فاتتك، صليتها،

______________________________

(1) الوسائل/ ج 4، ص 289، باب 62، ح 5185.

(2) الوسائل/ ج 8، ص 256، باب 2، ح

10576.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 58

و قال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمّ صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع و إن ذكرت أنك لم تصل الأولى و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثمّ صل الركعتين الباقيتين و قم فصل العصر و إن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصل العصر ثمّ صل المغرب فإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر و إن كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمها ركعتين ثمّ تسلم ثمّ تصلي المغرب فإن كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصل المغرب و إن كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلم ثمّ قم فصل العشاء الآخرة فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصل الغداة و أذن و أقم و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ صل الغداة ثمّ صل العشاء و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثمّ صل المغرب و العشاء ابدأ بأولهما لأنهما جميعاً قضاءً أيهما ذكرت فلا تصلّهما إلا بعد شعاع الشمس، قال: قلت: و لم ذلك قال (ع): لأنك

لست تخاف فوتها)

«1» و هذا الخبر قد استعمل الأمر فيه للاستحباب فإن الآذان و الإقامة مستحبات فيضعف دلالة الأمر على وجوب تقديم الفائتة قبل الحاضرة قال المرحوم المدقق الشيخ جواد ملا كتاب: أن هذا الخبر عمدة أدلة أرباب المضايقة و لا يخفى ما في دلالته من القصور لعدم دلالة قوله

(فَصَلّ الغداة)

على الفورية لا سيما بعد ملاحظة قوله و لو بعد العصر فإن مقتضاه ثبوت الرخصة في الأوقات المكروهة فضلًا عن غيرها و أما قوله

(و إن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب)

فلعل دلالته على التوسعة أظهر منها على التضييق فإن أجزاء وقت المغرب ممتداً الى ما يقرب انتصاف الليل و تذكر العصر على ما هو ظاهر الخبر عند دخول وقت المغرب فيستبعد معه احتمال خوف فوات المغرب عند تقديم العصر و إن توقف فعل الصلاة على كثير من المقدمات فالظاهر إرادة خوف فوات وقتها الفضلي كما يؤكده عدم التقييد بعدم خوف الفوات في غير المغرب من حيث أن الوقت الفضلي للمغرب فيه تضييق و أن وقت غيره فيه أتساع و التعرض لحكم المشتركين في الوقت و إطلاق الفوات على فوات الوقت الفضلي للأولى منهما و حينئذ فالأمر بتقديم الحاضرة عند خوف فوات وقتها الفضلي ظاهر في سقوط الترتيب و ثبوت التوسعة المصرّح بها في ذيل الخبر من قوله

(أيهما فاتتك فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس)

معللًا ذلك بأنهما قضاء لا يخشى فوتها.

و الحاصل أن إتيان المغرب عند خوف ضيق وقتها الفضلي ليس بواجب قطعاً لما دل على سعة وقتها فلا بد أن يكون الأمر به في صورة خوف ضيق وقتها الفضلي هو للاستحباب و يكون الإتيان المأمور به للفائتة في

صورة عدم خوف مستحب أيضاً بقرينة المقابلة فيكون مفاد الرواية استحباب إتيان الفائتة قبل الحاضرة لو أمكن الجمع بينهما في وقت الفضيلة للحاضرة و استحباب تقديم الحاضرة على الفائتة عند خوف فوت وقت الفضيلة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 4، ص 290، باب 63، ح 5187.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 59

للحاضرة و كفى بهذا شاهداً على إرادة الرخصة أو الاستحباب من الأمر بتقديم الفائتة و العدول إليها و هذا كله مع الإغضاء عما اشتمل عليه من صحة العدول بعد الفراغ مما هو خلاف الإجماع فإنه موجب لوهن الخبر و قصوره في موضع الاستدلال كذا حرره المحقق الشيخ ملا جواد.

الرابع: صحيحة أبي ولاد في من رجع عن قصد السفر بعد ما صلى قصراً قال (ع):

(إن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تبرح من مكانك لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير)

«1» الخامس: خبر البصري عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال (ع):

(إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلاها حين يذكرها فإن ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثمّ صلى المغرب ثمّ صلى العتمة بعدها)

«2» السادس: صحيح محمد بن مسلم قال:

(سألت أبا عبد اللّه (ع): عن رجل صلى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثمّ ذكر بعد ذلك قال (ع): يتطهر و يؤذن و يقيم أولهن ثمّ يصلي و يقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته)

و لا يخفى أنه مساق لبيان كفاية الأذان الواحد لأداء الصلاة المتعددة.

قلت أولًا: مع تسليم التعارض و التكافؤ إنا نأخذ بأخبار

المواسعة لما ثبت من التخيير بين الخبرين المتعارضين المتساويين في الحجة.

و ثانياً: أن أخبار المواسعة أرجح لأنها مخالفة لفتوى العامة فأنهم يوجبون تقديم الفائتة على الحاضرة حتى أوجب منهم صلاة الفائتة و إن فاتت الحاضرة، و لموافقتها للكتاب و السنة لما دل من عمومات الكتاب و السنة على وجوب الفرائض بدخول أوقاتها و قضائها على من فوتها في الوقت إذا كان متمكناً من إتيانها في الوقت بمقدار ما يسعها و على وليه قضائها بعد موته شامل لمن لزمته الفائتة فلو وجب تأخير الحاضرة عن الفائتة لامتنع وجوب الحاضرة أداء و قضاء إلا بعد مضي ما يسع الفائتة من الوقت نظير ما قلناه في ذوي الأعذار، و كذا عموم ما دل على صلاحية جميع أوقات الفريضة و ذوات الأسباب لتأديتها في جميع وقتها المتجاوز حد الاحصاء المتناولة لمن عليه الفائتة و غيرها.

و لما دلَّ على تأكيد استحباب أداء الصلاة في أول وقتها و أول وقت الفضيلة حتى سمي المصلي بعدها متهاوناً و مضيّعاً و إن لم يكن قد فاته وقت الأجزاء.

و لما دل على وجوب حضور الجماعة في مثل الجمعة و تأكيد استحبابه في غيرها و ذم من ترك الحضور الذي طلب رسول اللّه (ص) إحراق القوم في منازلهم بسبب تركهم الحضور المتناول بعمومه من لزمته الفائتة التي لو كانت عذراً في التأخير لما خَلَتْ تلك النصوص عن عدّها في الأعذار المسوغة للتأخير.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8، ص 469، باب 5، ح 11193 لكن بلفظ (تؤم) بدلًا من (تبرح).

(2) الوسائل/ ج 3، ص 384، باب 1 من أبواب قضاء الصلاة.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 60

الثالث: أن الجمع الدلالي يقتضي حمل أخبار المضايقة على المواسعة لأن الجمع

أولى من الطرح و هو مقدم على المرجحات فإن أخبار المضايقة ظاهرة في وجوب التقديم للفائتة على الحاضرة و أخبار المواسعة نص في عدم الوجوب، و قد تقرر أنه إذا تعارض الظاهر في الوجوب مع النص في عدمه قدم النص على الظاهر و حمل الظاهر على الاستحباب.

الرابع: أن الأمر فيها أي في أخبار المضايقة بعد توخم الخطر، و قد قرّ في محله إنه لا يدل على الوجوب و إنما يدل على الجواز، فإنه يحتمل قوياً أن يكون المراد بها هو جواز الإتيان بالفائتة عند دخول وقت الحاضرة بمعنى أن دخول وقت الحاضرة غير مانع من إتيان الفائتة فإنه قد علم من تتبع الأخبار و الآثار، و ما أشتهر من التأكد البليغ في المحافظة على أوقات الصلاة و المسارعة إليها في أوائلها فلا يراد من الأمر بالبدء بالفائتة سوى رفع الحظر عن إتيانها و هو لا يكون إلّا ظاهر في الجواز، و يرشد الى ذلك ما في موثقة سماعة قال:

(سألته عن الرجل يأتي المسجد و قد صلى أهله أو يتطوع فقال: إن كان في وقتٍ حسنٍ فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حق اللّه ثمّ ليتطوع ما شاء)

«1» فالأمر موسّع أن يصلي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة إلا أن يخاف الفريضة و الفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة و ليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت الى القريب من آخر الوقت.

و لما ورد عنهم (ع) في الصحيح

(أن فضل الوقت الأول على الأخير خير للرجل من ولده و ماله)

«2»

و قد حكي الإجماع عن غير واحد أن الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها.

و الحاصل أن الأمر في أخبار المضايقة إنما ورد بعد توهم الحظر من إتيان الفائتة قبل الحاضرة فهو ظاهر في الإباحة و الأذن بإتيانها.

إن قلت أن أخبار المضايقة الفتوى بها مشهورة بين القدماء و الشهرة في الفتوى هي أول المرجحات كما هو المحكي عن الحلي في رسالته المعمولة في هذه المسألة المسماة خلاصة الاستدلال.

قلنا أن أخبار المواسعة أيضاً مشهورة بين القدماء و المتأخرين للمحكي عن الفتوى بها عن علي بن شعبة و الحسين بن سعيد و ابن عيسى و الجعفي في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه و صحح من قول الأئمة (ع) و عن الواسطي و عن الشيخ الفقيه عبد اللّه بن أبي شعبة في أصله الذي أثنى عليه الصادق (ع) عند عرضه عليه و صححه و استحسنه و عن الحسين بن سعيد الأهوازي بل و عن أخيه الحسن أيضاً و عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي و محمد بن علي بن محبوب و الصدوقين اللذين هما متقدمان على المفيد و الشيخ و غيرهما من القائلين بالمضايقة، و أيضاً نقل عن أبي الفضل الصابوني الجعفي الذي يروي عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين في الفاخر الذي تقدم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 4 ص 336، باب 35، ح 4987.

(2) الوسائل/ ج 3، ص 89، باب استحباب الصلاة في أول الوقت، ح 14.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 61

ذكره و عن أبي محمد بن أحمد بن مسلم في كتاب الفاخر المختصر و عماد الدين محمد بن علي و الشيخ

علي بن الحسين الصدوق في المقنع و الفقيه و السيد ضياء الدين ابن الفاخر و أبي علي الطبري الديلمي و علي بن عبيد اللّه بن بابويه منتجب الدين صاحب الفهرست المشهور و عن الشيخ قطب الدين الراوندي من مشايخ ابن شهرآشوب و عن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي و الشيخ الإمام نصير الدين أبي طالب عبد اللّه بن حمزة الطوسي و عن الشيخ يحيى بن حسن بن سعيد جد المحقق و عن السيد الأجل علي بن طاوس و عن العلامة الحلي في كثير من كتبه كالتذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام و التحرير و التخليص و المختلف و نقل به أعني القول بالمواسعة عن كثير من المتأخرين و عن المحقق الوحيد البهبهاني و عن العلامة سيد محمد مهدي الطباطبائي و جدّنا الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء و عن المحقق الشيخ أسد اللّه التستري بل عن كشف الالتباس و الفوائد و شرح الجواد أنه المشهور بين المتأخرين و عن الذخيرة و شرح الغوالي نسبته الى المشهور بين المتقدمين أيضاً بل عن المصابيح نسبته الى أكثر الأصحاب على الإطلاق بل عن جمع منهم العلامة في المختلف دعوى الإجماع على المواسعة و على هذا فلم تكن الشهرة المدعاة بين القدماء بالغة حداً يوجب سقوط أخبار المواسعة عن الحجية.

إن قلت فما تصنع بالأدلة الدالة على فورية القضاء مثل المروي عن أبي جعفر (ع)

(إذا نسيت صلاة ثمّ ذكرتها فصلها)

و ما رواه الشيخ بسنده عن نعمان الرازي قال:

(سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل فاته شي ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها قال (ع): فليصلِّ حين ذكرها)

«1» الى غير ذلك من الأخبار فإنها دلت على توقيت فعل الصلاة

بوقت الذكر و هو ظاهر في وجوب إيقاعها في ذلك الوقت حتى لو كان وقت الفريضة الحاضرة فهي تدل على لزوم الإتيان بالفائتة قبل الحاضرة.

و جوابه أنها لا تدل على فورية القضاء لا شرعاً إذ لم يثبت ذلك و لا عرفاً فلأن العرف لا يفهمون منه الفور، و لو سلمنا دلالته على الفورية فهو لا يقتضي فساد الحاضرة لأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص مع أنها مخصصة بالأخبار الدالة على جواز تقديم الحاضرة على الفائتة مع دلالة ما حكي عن الحلبي على عدم فورية القضاء، فقد حكي عن أصل الحلبي الذي عُرِضَ على مولانا الصادق (ع) و أثنى عليه و صححه و استحسنه من قوله:

(خمس صلوات يصلّين على كل حال متى ذكره و متى أحب صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس و طلوعها و صلاة ركعتي الإحرام و ركعتي الطواف و الفريضة و كسوف الشمس عند طلوعها و غروبها)

«2» و دعوى أن الاستدلال بكتاب الحلبي بأنه ليست برواية لأن الحلبي لم يسنده الى إمام فلعله فتوى استنبطها من ظاهر بعض الروايات الدالة على التوسعة، فاسدة لأن عرض الأصل على الصادق (ع) و تصحيحه و استحسانه جعله بحكم الرواية الصحيحة فقوله

(متى أحب)

دليل على جواز التأخير، و مما يدل على ذلك ما حكي عن كتاب الفاخر للجعفي الذي ذكر في أوله

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3، أبواب المواقيت، باب 39، ح 16.

(2) مستدرك الوسائل/ ج 3/ باب وجوب الإعادة في الوقت/ باب 33/ ح 3231- 1.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 62

أنه لم يرو فيه إلا ما أجمع عليه و صحح عنده من قول الأئمة (ع) من قوله

(و الصلوات الفائتات تقضى ما

لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها و قضى الفائتة متى أحب)

على أن أكثر الروايات قد ذكر فيها الوقت للقضاء بوقت الذكر و هو ظاهر في عدم الفورية نظير قولهم

(متى أردت و متى أحببت و متى قدرت)

و نحو ذلك فإن هذا التقييد ظاهر في عدم الفورية.

و أورد عليه بأنه ليس من إرسال متن الرواية حتى ينجبر بعمل الأصحاب و إنما هو من إرسال المضمون الذي لا ينجبر بالعمل عند أهل التحقيق لرجوعه الى اجتهاد المرسل الذي ليس بحجة في حق غيره من المجتهدين.

و لا يخفى ما فيه فإن ظاهر الكتاب أنه رواية فينجبر بعمل الأصحاب و مما يدل على ذلك الصحيح الذي رواه الكليني بسنده عن محمد بن مسلم قال:

(سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال (ع): يقضيها إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء)

«1» و مثله الصحيح الذي رواه الكليني بسنده عن الحلبي قال:

(سئل أبو عبد اللّه (ع) عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء)

«2» و مثله الصحيح الذي رواه الشيخ بسنده عن أبي العلى عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

(أقضي صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء)

«3» إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على عدم فورية القضاء.

إن قلت أن الفوائت تترتب في القضاء لترتب أزمتها و حيث أن الفائتة زمانها متقدم على الحاضرة فتقدم عليها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 39، ح 6.

(2) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 39، ح 7.

(3) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 39، ح 13.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 63

قلنا أن ترتيب الفوائت لو سلم فإنما هو للدليل كما سيجي ء في المسألة الآتية لا لتقدم الوقت فإلحاق الفائتة و الحاضرة بها قياس و هو ليس من مذهبنا.

إن قلت فما تصنع بالإجماعات المحكية عن الأساطين القدماء كالشيخ المفيد و كالشريف أبو الحسن في التاسعة عشر من الرسيّات التي سأل عنها السيد مرتضى.

قلنا أن حكاية الإجماع مع وجود القول بالخلاف ممن عَرِفتَ من القدماء و المتأخرين فيما تقدم في أدلة المواسعة لا تنهض حجة إلا على مدّعيها غير كاشفة عن رأي المعصوم لأحتمال الاستناد فيها الى أخبار المضايقة.

إن قلت فما تصنع بالأخبار الدالة على العدول من الحاضرة الى الفائتة فإنها تقتضي إتيان الحاضرة بعد الفائتة.

قلنا أن العدول ليس بواجب لما حكي عن ابن طاوس عن الواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي في كتاب (النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي) مما هذا لفظه مسألة من ذكر صلاة و هو في أخرى قال أهل البيت يتم التي هو فيها و يقضي ما فاتته و به قال الشافعي: قال السيد: ثمّ ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت ثمّ قال في أواخر مجلده ما لفظه: مسألة أخرى من ذكر صلاة و هو في أخرى إن سأل سائل فقال اخبرونا عما ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه قبل أن يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته و به قال الشافعي دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد (ع) أنه قال (ع):

(من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثمّ قضى ما فاتته)

«1» مضافاً الى أن الروايات التي استدلوا بها على العدول من الحاضرة الى الفائتة ليست

فيها دلالة على الوجوب لأن الأمر ورد فيها لرفع الحظر لما ارتكز في الأذهان من حرمة إبطال العمل لقوله تعالى وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ «2» مضافاً الى أن صحيحة زرارة و هي عمدة ما استدل بها في هذا الباب أنه قد ورد فيها أوامر غير دالة على الوجوب لاشتمالها على الأمر بالأذان و الإقامة مع أنها قد اشتملت على ما أعرض عنه الأصحاب من قوله فيها

(بعد فراغك منها فانوها الأولى ثمّ صلي العصر فإنما هي أربع مكان أربع)

«3» و حمله الشيخ على مقاربة الفراغ و استضعف هذا الحمل في كشف اللثام قال المرحوم المدقق الشيخ ملا جواد و الأَوْلى حمله من الفراغ على الركعات بأن تذكر قبل التشهد أو قبل التسليم بناءً على الأصح من وجوبه و جزئيته مضافاً لما في صحيح الصيقلي عن الصادق (ع):

(من أمره لناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثمّ قضاء المغرب بعدها

) «4» مضافاً الى الحكاية عن الجواهر من نسبة جواز العدول قبل الركوع و إن قام الى الرابعة الى ظاهر الأصحاب.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل/ ج 6/ باب وجوب قضاء الفرائض الفائتة/ باب 1/ ح 7154- 10.

(2) سورة محمد- آية (33).

(3) الوسائل/ ج 4 ص 390/ باب 63/ ح 5187.

(4) الوسائل/ ج 3، أبواب المواقيت، باب 63، ح 5.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 64

المسألة الثانية: العدول إلى الفائتة
اشارة

أن العدول في الفرائض من اللاحقة الى السابقة لما كان على خلاف الأصل لأن فيه قطع للعمل، و لأن فيه الامتثال بعمل عن آخر و الاجتزاء به عنه، و لأنه خلاف ما يقتضيه استصحاب اشتغال الذمة بالمعدول إليه كان اللازم الاقتصار فيه على القدر المنصوص صحة العدول فيه من الشارع و الكلام

في هذه المسألة يقع في مواضع:

الموضع الأول: في معنى العدول الذي هو محل البحث و هو على الأخبار من قوله (ع) في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع):

(فليجعلها الأولى)

«1» و صحيحة زرارة عن أبي جعفر:

(فانوها الأولى)

«2» فيكون معنى العدول أن ينوي تحويل و تبديل هذه الصلاة الى صلاة أخرى و ينوي إنما يأتي به من الأفعال يكون لهذه الصلاة الأخرى المعدول إليها بأن يقصد بأن ما صدر منه أو سيصدر منه يكون امتثالًا لأمر هذه الصلاة التي عدل إليها فمثلًا إذا كان بيده العشاء و ذكر أنه لم يأتي بالمغرب في الركعة الثانية عدل بها الى المغرب بمعنى أن ينوي أن ما أتى به يكون امتثالًا لصلاة المغرب، ثمّ يأتي بما تقتضيه صلاة المغرب من الأفعال من الركعة الثالثة و التشهد و التسليم بنية أنها تكملة لصلاة المغرب ثمّ بعد كمالها مغرباً يأتي بالعشاء.

الموضع الثاني: أن يكون العدول ممكناً و في محله، و المراد بإمكان العدول و محل العدول هو أن لا يمتنع العدول فهو موقوف على أن يكون تذكرة للفائتة في حال يمكنه ذلك عقلًا و شرعاً بأن لا يتجاوز محله و كان الوقت واسعاً كما يمتنع العدول لزيادة ما فعله الموجب لبطلان المعدول إليه كما لو ركع للرابعة فإنه لا يمكنه العدول للمغرب لأنه يلزم زيادة ركنٍ و هو الركوع في الصلاة المغرب، و كما يمتنع العدول لدخول الوقت المختص فإنه لا يجوز العدول الى السابقة من غير خلاف بين الأصحاب، و كما إذا فرغ من الصلاة فإنه لا يجوز العدول منها للسابقة كما هو المشهور، بل ذكر أنه خلاف المجمع عليه. نعم حكى عن كشف اللثام عن بعض الأصحاب من جواز

العدول من العصر الى الظهر في الوقت المختص لظاهر قول الباقر (ع) في صحيح زرارة:

(و إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثمّ صل العصر فإنما هي أربع ركعات مكان أربع)

«3» و قد أعرض الأصحاب عن ما اقتضاه هذا الخبر بظاهره و حمله الشيخ على مقاربة الفراغ و استضعف هذا الحمل في كشف اللثام و احتمل حمله على الفراغ من نية الصلاة و هو أضعف من حمل الشيخ لمنافاته التعليل بأنها (أربع مكان أربع) و الأولى حمله على الفراغ من الركعات بأن تذكر قبل التشهد أو قبل التسليم بناءً على جزئيته ففي المثال المذكور يكون إمكان العدول من العشاء الى المغرب في ما قبل إتيانه بالركعة الرابعة و كان الوقت غير الوقت المختص بالعشاء و قبل الفراغ منها.

الموضع الثالث: أن العدول المنصوص عليه هو في موارد:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 63/ ح 3.

(2) الوسائل/ ج 4/ ص 360/ باب 63/ ح 5187.

(3) الوسائل/ ج 4/ ص 360/ باب 63/ ح 5187.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 65

المورد الأول: هو العدول في الحواضر من الحاضرة الى السابقة في يومه، و قد ذهب الى وجوبه جماعة و ذهب الى استحبابه جماعة على الخلاف في المضايقة و المواسعة. و الحق هو جواز العدول مع سعة الوقت للحاضرة و إلا لم يجز مع خوف فوت الحاضرة لما دلَّ على عدم جواز فعل الصلاة مع ضيق وقت الحاضرة لما هو المحكي عن ابن طاوس عن الواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي ما هذا لفظة: مسألة من ذكر صلاة

و هو في أخرى قال أهل البيت (ع) يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته و به قال الشافعي، قال السيد: (ثمّ ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت ثمّ قال: في أواخر مجلده ما لفظه مسألة أخرى من ذكر صلاة و هو في أخرى فقال: أخبرونا عن من ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه قيل له: يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته و به قال الشافعي دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد (ع) أنه قال:

(من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثمّ قضى ما فاتته)

«1» مع ما في صحيح الصيقلي الذي رواه الشيخ بإسناده عن الصادق

(من أمره ناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثمّ قضاء المغرب بعدها)

و بضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب.

إن قلت إن صدر الخبر يقتضي وجوب العدول لأنه في صدره أمرَ الرجل الذي نسي الظهر حتى صلى ركعتين من العصر بأن يجعلهما الظهر و ليستأنف العصر و إليك نفس الخبر قال:

(سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجلٍ نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال (ع): فليجعلها الأولى و ليستأنف العصر، قلت: فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال: فليتم صلاته ثمّ ليقضي بعد المغرب، قال: قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثمّ ذكر و هو في العصر يجعلها الأولى ثمّ يستأنف و قلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب فقال (ع): ليس هذا مثل هذا أن العصر ليس بعدها صلاة و العشاء بعدها صلاة)

«2» قلنا إن هذه الرواية قد كانت محل إشكال بين الأصحاب و

كلّ ذهب في تأويلها الى مذهب خاص و الأولى هو حملها في الظهرين على إنه لم يبق من الوقت للظهرين إلا مقدار أدائهما فحينئذ تقع العصر في الوقت المختص بها فلا يصح وقوع الظهر فيه و لذا أمر بالعدول الى الظهر فيكون ما بعد الظهر و هو أربع ركعات مقدار أداء العصر و لا يصح وقوع الظهر فيه. و أما في العشاءين فيحمل على الوقت المتسع فيصح أن يأتي بالمغرب بعدها لذا لم يجزم بالعدول في العشاء لأنه يمكنه أن يصلي المغرب بعدها فيكون بعد أداءه العشاء يمكنه صلاة المغرب بعدها و القرينة على ذلك قوله:

(لم يكن صلاة بعدها)

فإنه على ما ذكرناه لم يكن بعد العصر وقتاً للصلاة أعني صلاة الظهر بعدها و يكون بعد العشاء وقتاً للمغرب لغرض سعة الوقت مع أن أخبار المواسعة المتقدمة في بعضها ما هو ظاهر في عدم وجوب العدول و هي المشتملة على ذكر الفائتة عند دخول وقت الحاضرة و كيف كان فإنه لو سلمنا عدم دلالة ما

______________________________

(1) مستدرك الوسائل/ ج 6/ باب وجوب قضاء الفرائض الفائتة/ باب 1/ ح 7154- 10.

(2) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 63/ ح 5.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 66

ذكرناه على عدم وجوب العدول فليس هناك ما يدل وجوب العدول فالمرجع هو الأصل و هو البراءة من الوجوب.

و قد يتوهم أن بعض الروايات تدل على وجوب العدول:

الأولى: منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) الطويلة المتقدمة في أدلة المضايقة و قد عرفت أن الأوامر فيها دالة على الجواز.

الثانية: رواية عبد الرحمن البصري قال:

(سألت أبا عبد الله عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال: إذا نسي صلاة أو نام

عنها صلى حين يذكرها فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثمّ صلى المغرب ثمّ صلى العشاء بعدها)

( «1») الحديث و قد ضُعِّف سند هذه الرواية من معلى بن محمد الواقع في سندها لقول النجاشي فيه: أنه مضطرب الحديث و المذهب و قد وثقه في المستدرك لرواية الأجِلاء عنه، و لا ريب أن رواية أجلاء الأصحاب توجب الوثوق بعدم كذبه و هو لا ينافي كونه مضطرب الحديث و المذهب. نعم الاستدلال بها مبني على (أن المراد بِيَبْدأ) هو العدول مع أنه ظاهر في استئناف العمل لأنه مأخوذ من الابتداء. نعم قوله (ع) فيها

(أتمّها)

ظاهر في العدول عن العشاء في خصوص صلاة الجماعة و يتم الاستدلال بها بضميمة عدم الفصل ثمّ لا يخفى أنه ظاهر في العدول في الفوائت اليومية.

الثالثة: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله قال:

(سألته عن رجلٍ أمَّ قوماً في العصر فذكر و هو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى، قال: فليجعلها الأولى التي فاتته و يستأنف بعد العصر)

( «2»). مدفوع أنه يتعين حملها على الجواز لأن الحق كما قدمنا هو التوسعة و عدم وجوب تقديم الفائتة.

لو ذكر في الأثناء و بيّن عدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة فإن صوم الاعتكاف لا يجب صوم اليوم الأول منه و لا الثاني و لكن لو صامهما وجب عليه الثالثة. قلنا:

أولًا: إن عدم القول بالفصل على الظاهر يقتضي مساواتهما بالحكم كما ذكره المرحوم آقا رضا.

و ثانياً: إن سوق الصحيحة و خبر عبد الرحمن ظاهرين في كون الأمر بالعدول من الحاضرة إلى الفائتة ليس لمحض التعبّد بل من جهة مراعاة الترتيب و مطلوبية البدأة بالفائتة

و ان وقتها هو وقت ذكرها و ان كان متلبساً بالفريضة فيكون مطلوبية العدول متفرعة على مطلوبية الترتيب انْ كان واجباً كان العدول واجباً و إنْ كان مستحباً كان العدول مستحباً و ليس للترتيب مطلوبية مستقلة.

و يرشد إلى ذلك هو تفريع العدول في صحيحة زرارة و عبد الرحمن على القضاء للفائتة عند الذكر.

مضافاً لما تقدم من أنَّ الأمر فيها وارد بعد توهم الحَظَر لأن العدول خلاف مقتضى العقل و الشرع.

إن قلت قد ادّعى غير واحد الإجماع على وجوب العدول، قلنا: قد عرفت ان القائلين بالمواسعة لا يقولون بوجوبه على إن الإجماع لم يكن كاشفاً عن رأي الامام لأحتمال استناد المجمعين لما ذكرناه من الروايات.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 63/ ح 2.

(2) الوسائل/ ج 3/ أبواب المواقيت/ باب 63/ ح 3.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 67

(تنبيهان)
التنبيه الأول: إنما ثبت العدول بالنسبة إلى الفرائض نهاراً و ليلًا بالنسبة لليوم الذي هو فيه لا أزيد

، فهي لا تدل على جواز العدول من مغرب هذا اليوم إلى عصر اليوم الذي قبله إذا نسِيَه إنما تدل على جواز العدول منها إلى عصر يومه إذا نسِيه فإنه مضافاً إلى أنَّ القدر المتيقن منها هو ذلك ان لها ظهور في ذلك عند التأمل فيها.

التنبيه الثاني: إنه إذا تجاوز محل العدول و تذكرها فالعدول غير صحيح

لعدم امكانه و يكمل الصلاة التي بيده لسقوط الترتيب لتعذره و لقاعدة (لا تعاد الصلاة) إذْ لم تكن التي بيده إلَّا فاقدة لشرط الصحة و هو الترتيب على ما بعدها و فقده لما كان لتعذّر فهو لا يقتضي الفساد لأنه ليس من الخمسة التي تعاد الصلاة من أجلها.

المسألة الثالثة: الترتيب في قضاء الفوائت

هي ان الترتيب في القضاء للفوائت اليومية ليس بواجب و قيل بوجوبه بمعنى إنه لو فاته من يومه صبحه و ظهره و عصره فعليه إذا أراد أن يقضيها، يقضيها مرتّبة، فأول ما يُصلِّي صبحه ثمّ ظهره ثمّ عصره و هكذا لو فاته الصبح من يومٍ معيّن ثمّ فاته العصر منه ثمّ المغرب منه قضى ذلك مرتّباً بأنْ يأتي بالصبح ثمّ العصر ثمّ المغرب.

نعم، إنْ شاء أنْ يقضيها قبل المغرب أو بعدها كما هو مقتضى ما قلناه في المسألة الأولى و قد استُدلَّ للوجوب:

أولًا: بالإجماع، فعن التذكرة إنه حكى الاجماع على وجوب الترتيب، و في مفتاح الكرامة إنه لم يجد مخالفاً فيه و عن المُعتبر حكاية اتفاق الأصحاب. نعم، حُكيَ عن الذكرى عن بعض من صنف في المضايقة و المُواسعة القول باستحباب الترتيب بين الفوائت دون الوجوب.

و لا يخفى ما فيه لأنَّ الاجماع لعله مستندٌ للإخبار و الاجتهاد فلا يكون كاشفاً.

و ثانياً: بعموم قوله من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، و شهرتها توجب الوثوق بها و وجه الاستدلال إن المتعارف في قضاء الأمور التدريجية هو الابتداء بالأول فالأول فأوجب ذلك انصراف الرواية إلى طلب قضاء الأمور التدريجية بالنحو الذي كانت مرتّبة فيه.

و ردَّ عليه إنَّ صحة الرواية غير ثابتة و الظاهر إنها من طرق العامة مروية عن الرسول (ص) سلّمنا حجيتها لكن الظاهر منها هو الأمر بقضاء ما

كان واجباً عليه فقط دون مقارناته و الأُمور التي كانت تستلزم وجوده دون أن تكون معتبرة فيه و الترتيب في الزمان لم يكن مطلوباً للمولى إلَّا في الظهرين و العشائين من يومٍ واحد و لذا يلزم في قضائهما الترتيب بينهما.

الثالث: ما عن أصل الحلبي في مستدرك الوسائل باب واحد من أبواب قضاء الصلاة من قوله (ع):

(من نام أو نسِيَ أن يُصلَّى المغرب و العشاء الآخر فإن استيقظ

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 68

قبل الفجر بمقدار ما يُصلِّيهما جميعاً فلْيصلِّيهما و إنْ استيقظ بعد الفجر فلْيُصلِّي الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء)

، إنّ استفادة الوجوب ممنوعة مع معارضتها بأخبار المواسعة.

الرابع: مصححة أبي بصير المروية في مستدرك الوسائل باب واحد من أبواب قضاء الصلاة، عن أبي عبد الله (ع) قال:

(إنْ نام الرجل و لم يصلِّ صلاة المغرب و العشاء أو نسِيَ فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يُصلِّيهما كلتيهما فليُصليهما و إنْ خشِيَ أنْ تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الأخر و انْ استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليُصلِّي الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس فإنْ خاف أنْ تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليُصلِّي المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى يذهب شعاعها ثمّ ليُصلِّها)

. و هذه الرواية قد وصفها بعضهم بالصحة و لعلّه بالنظر إلى حمّاد بن عيسى المُجمع على تصحيح ما يصح عنه و إلَّا فشُعيب هو بن يعقوب العقرقوفي بقرينة رواية حمّاد بن عيسى عنه.

و أبو بصير هو الأعمى الضعيف بقرينة رواية شعيب عنه، و لكن رواية حمّاد عنهما تجعله بحكم الصحيح على ان الشهرة العظيمة و تعاضد الروايات توجب ثقة السند، و حُكي عن المحقق الايراد على هذين الخبرين بايرادين:

الايراد الأول: إن خبر أبي بصير

و ابن سنان يدلان على إنَّ وقت العشاء يمتد للفجر و هو قولٌ متروك و إذا تضمّن الخبر ما لا نعمل به دلَّ على ضعفه.

الايراد الثاني: انهما شاذان لقلة ورودهما بعد العمل بهما، ثمّ أجاب عن الأول بأن لا نسلم ان القول بذلك متروك بل هو قول جماعة من الفقهاء المتقدمين و المتأخرين منهم أبو جعفر بن بابويه و الشيخ أبو جعفر و غيرهما من الأعيان و عن جمع أنهم قالوا هو وقت من نام أو نسي.

و أجاب عن الثاني بالمنع من شذوذهما و قد ذكرها الحسين بن سعيد و الكليني و الطوسي في التهذيب و الاستبصار و ابن بابويه في فقهيه الذي أودعَ فيه ما يعتقد انه حجة فيما بينه و بين ربه و هذه الرواية إنما يُستدلُّ بها على الاستحباب إذْ لا ريب في جواز ان يقضي قبل أن يأتي بصاحب الوقت.

الخامس: مرسلة الوشاء عن جميل بن درّاس عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت الرجل يفوته الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة؟، قال (ع):

(يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت دخلت ثمّ يقضي ما فاته الأُولى فالأَولى)

، فهذه الرواية إنما تدل على الاستحباب إذ لا ريب في جواز أن يقضي قبل أن يأتي بصاحبة الوقت و ربما أستدل لوجوب الترتيب بصحيحة زرارة عن أبي جعفر الطويلة و صحيح محمد بن مسلم المتقدمان في أخبار المضايقة الثالث منها و السادس منها، و لا يخفى إنك قد عرفت عدم دلالتها على الوجوب لاشتمالهما على الأمر بالأذان و الاقامة و إن الأوامر الواردة فيها لرفع توهم الحظر مع إنهما ليسا مسروفين لوجوب

الترتب في القضاء بل لبيان عدم وجوب الأذان لكل صلاة مقضية فلا يصح التمسك بإطلاقهما.

و الحاصل إنَّ أخبار المواسعة المتقدمة تقتضي حمل الأوامر فيها على عدم الوجوب و حينئذٍ فيكون المرجع هو الأصل العملي أعني عدم وجوب الترتيب.

المسألة الرابعة: الترتيب بين الفرائض اليومية

أعني الترتيب بين الفرائض اليومية الخمس و لا إشكال في وجوبه فتجب الصبح ثمّ الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ العشاء فلو أوقع واحداً منها قبل الأُخرى عمداً كانت باطلة لأنها

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 69

أوقعها قبل وقتها. نعم، لو أوقع العصر قبل الظهر في الوقت المشترك نسياناً أو العشاء قبل المغرب نسياناً في الوقت المشترك فإن تذكر بعد الفراغ صحَّتْ صلاته لدليل (لا تُعاد) لأنَّ الترتيب ليس من الأمور الخمسة التي تعاد الصلاة بنسيانها و أنْ تذكر في الأثناء و كان العدول ممكناً جاز له العدول بل كان مُستحباً لصحيح زُرارة المذكور في أخبار المضايقة ص 247 يبني على إنَّ هذه الأجزاء الماضية و التي يأتي بها هي أجزاء الصلاة السابقة، و لكن بشرط أنْ يكون العدول ممكناً بأن يكون في غير الوقت المختص و أن لا يلزم الزيادة المبطلة للصلاة المعدول إليها.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 70

المسألة الخامسة: الفوائت في أيام متعددة

إنه لو كانت الفوائت من أيام متعددة كأن فاتته الصبح من يوم الخميس و الظهر من يوم الجمعة و العصر من يوم السبت فلا يجب في قضائها الترتيب و قد نُقل الاجماع على ذلك عن فقهائنا الأعلام و حُكِيَ عن المهذَّب البارع دعوى الاجماع على عدم الترتيب بين الفوائت غير اليومية.

المسألة السادسة: في موارد العدول

قد عرِفت إنَّ العدول في الصلاة على خلاف الأصل و لا بدَّ في جوازه من قيام الدليل عليه و قد ذكروا الفقهاء مواضع ثبت لديهم فيها جواز العدول.

منها العدول عن الحاضرة إلى حاضرة سابقة كالعدول من العصر إلى الظهر المنسية إلى زمان الشروع في العصر، و قد نُقِل عدم الخلاف في ذلك و يدلُّ عليه صحيح زرارة عن الباقر (ع) فإنَّ فيه:

(و انْ نسيت الظهر حتى صلّيتَ العصر فذكرتها و انت في الصلاة أو بعد فراغك فانوِها الأولى ثمّ صلِّ العصر فإنها أربع مكان أربع

)، و قد تقدّم في المسألة الثالثة تحقيق ذلك.

و منها عن الحاضرة إلى الفائتة و قد نُقِلَ عدم الخلاف في ذلك و لما في صحيحة زُرارة عن الباقر:

(و إنْ كنتَ قد صلّيتَ من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوِها العصر ثمّ قُمْ فأتمها ركعتين ثمّ تُسلِّم ثمّ تصلي المغرب

)، و منها العدول عن الفائتة إلى الحاضرة فحُكيَ إنه جوّزه الشهيد في الذكرى و حُكيَ عن كشف اللثام، و حُكيَ عن البيان و قد استشكل فيه جماعة نظراً إلى أصالة عدم جواز العدول و عدم الاشارة في شي ء من النصوص.

و منها العدول من الجمعة إلى النافلة لناسي سورة الجمعة فيها و قد حُكيَ القول به عن كثير من الأصحاب و قد استُدلّ عليه بالصحيح عن الصادق (ع) في رجلٍ أراد الجمعة

فقرأ [قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ]، فقال (ع):

(يتُمها ركعةً ثمّ يستأنف

). و منها العدول من الفرض إلى النفل لطالب الجماعة مع خوف الفوت و لناسي الأذان و الاقامة فقد حُكيَ القول به عن جماعة هذا كله في العدول من الفرض إلى الفرض أو إلى النفل.

و أما العدول من النفل إلى الفرض فقد حُكيَ عدم الخلاف في عدم جوازه معلّلين ذلك بأن القوي لا يُبنى على الضعيف فإن الفريضة مصلحتُها و قوة طلبها أقوى من مصلحة النافلة و طلب النافلة، و حُكيَ عن الذكرى إنَّ للشيخ قول بالجواز في الصبيّ يبلغ في أثناء الصلاة.

و أما العدول من النفل إلى النفل فقد حُكيَ عن المدارك بجوازه، و أما العدول من صلاة إلى أُخرى.

و منها إلى صلاةٍ أُخرى فقد حُكيَ القول به عن الروضة و التحقيق كما تقدّم منها إنه خلاف الأصل و القاعدة فلا يجوز الذهاب إليه في موردٍ ليس فيه نص.

الحكم السابع عشر: اشتغال المكلف بالصلاة اللاحقة

المُكلَف لو اشتغل بالصلاة اللاحقة للقطع أو الظن بإتيان السابقة أو غفلةً عنها ثمّ انكشف له عدم الإتيان بالسابقة فتارةً يكون قد أتى باللاحقة في الزمن المختص بالسابقة كأن أتى

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 71

بالعصر في الزمن المختص بالظهر بخيال أنه أتى بالظهر فلا إشكال في بطلان اللاحقة لأنه أتى بها في غير وقتها كمن أتى بها قبل دخول الوقت سواءً كان التذكر في الأثناء أو بعد الفراغ.

إن قلت إنَّ في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله إنه سُئل عن رجلٍ أمَّ القوم في العصر فذكر و هو يصلّي إنه لم يصل الأولى، قال:

(فليجعلها الأولى التي فاتته و يستأنف بعدُ صلاة العصر

)، و مثلها صحيحة زُرارة فإن فيها

(فإن نسيتَ الظهر حتى صلَّيت العصر

فكرتها و أنت في صلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثمّ صلِّ العصر لأنها أربعٌ مكان أربع

)، و مثلهما خبر الصيقلي عن رجلٍ سأل الإمام عن رجل نسي الأُولى حتى صلّى ركعتين من العصر، فإنها تدل على إنَّ صلاة العصر لم تكن باطلة.

قُلنا إنها ظاهرة في غير صورة الصلاة بالوقت المختص مع إنها مخصصة بأدلة الاختصاص في الوقت المُشترك و مثل ذلك القول ما لم لو أتى بالعشاء في الوقت المختص بالمغرب في بطلان العشاء.

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 72

إن قلت إن هذا يتُم في الظهرين و أما في العشاءين فلا تكون العشاء باطلة لقاعدة من دخل عليه الوقت، قُلنا إنها لمّا وقعت في وقت الاختصاص بالمغرب صارت فاسدة، و قاعدة (من دخل) المذكورة لا تشملها لأنها كما عرفت تخص الصلاة الجامعة لشرائط الصحة و هذه فقدت شرط من شروطها و هو وقوع أجزائها في الوقت المختص لما عرفت من أنَّ وقت الاختصاص لا يصحُّ وقوع الشريكة و لا أجزائها فيه و قد تقدم الكلام في ذلك في مبحث ثمرات الاختصاص.

أما لو أوقع اللاحقة قبل السابقة في الوقت المشترك كما لو أوقع العصر قبل الظهر في الوقت المشترك بينهما أو العشاء قبل المغرب فإن تذكر بعد الفراغ كأن تذكَّر بأن الظهر لم يأت بها بعد العصر و تذكَّر إنَّ العشاء لم يأت بها بعد المغرب فمُقتضى صحيحة لا تُعاد هو الصحة لأنها لم تكن فاقدة لواحدةٍ من الأُمور الخمسة الموجبة للإعادة و إنما فقدت التأخر عن سابقتها و هُوَ ليسَ من الأُمور الخمسة.

إن قلت إنَّ مقتضى صحيحة زُرارة المتقدمة قبل أسطُر و خبر ابن مسكان فإنَّ فيه إنه سُئل (ع) عن رجلٍ نسي

أن يُصلِّي الأولى حتى صلّى العصر؟ قال:

(فليجْعل صلاته التي صلّى الأُولى ثمّ ليستأنف العصر فإنها تقتضي العدول من اللاحقة إلى السابقة و استئناف اللاحقة

). قلنا إنه لم يعملْ بهما فأوجبَ عدم الوثوق بحجيتهما و إنْ تذكّر إنه لم يأتِ بالسابقة في أثناء الإتيان باللاحقة كأن تذكّر في أثناء إتيان العصر إنه لم يأتِ بالظهر فيعدل بها إلى السابقة مع بقاء محل العدول.

أما مع عدم بقاء محل العدول كأنْ تذكّر في الركعة الرابعة من العشاء إنه لم يأتِ بالمغرب يتمُّها عشاءً لخبر (لا تُعاد)، و لحسنة الحلبي و لصحيحة زرارة و لخبر الصيقلي المتقدّم.

الحكم الثامن عشر: في جواز التطوّع في وقت الفريضة

يجوز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق وقتها فيجوز أن يأتي بالنافلة قبلها سواءً كانت من الرواتب اليومية و هي ذات الوقت أو مبتدأة و هي التي يفعلها المصلي تبرّعاً أو من ذوات الأسباب و هي المستحبة لجهة خاصة كركعتي تحية المسجد عند دخوله و ركعة الزيارة عند حصولها و صلاة الاستخارة و صلاة قضاء الحاجة و يجوز أن يأتي بالنافلة و إنْ كان عليه قضاء فرائض فائتة و بعضهم عنون هذه المسألة بعنوان التطوع لمن عليه فريضة و بعضهم جعلهما مسألتين و كيف كان فالظاهر هو جواز التطوع بالنافلة مطلقاً سواءً كانت عليه فريضة ادائية أو قضائية و قد نُسِبَ إلى أكثر القدماء منهم المفيد و الشيخ عدم الجواز و عن الشهيد أنه المشهور بين المتأخرين و عن المُعتبر أنه مذهب علمائنا و ذهب إلى الجواز أكثر المتأخرين و هو المحكي عن الذكرى و الدروس و شرح القواعد و روض الجنان و مجمع الفائدة و الذخيرة و المفاتيح و عن الدروس إنه الأشهر و الحق هو الجواز مطلقاً سواءً كان

عليه فريضة أدائية أو قضائية ما لم يتضيّق وقتها و يدلّ عليه الأخبار:

الأول: موثق سماعة المروي في الكتب الثلاث قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلٍ يأتي المسجد و قد صلّى أهلهُ أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع، فقال:

(إنْ كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة و إنْ كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 73

بالفريضة و هو حق الله تعالى ثمّ ليتطوع ما شاء

________________________________________

نجفى، كاشف الغطاء، على بن محمد رضا بن هادى، كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، ه ق

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)؛ ص: 73

)، و قد روى هذا الموثق إلى حدِّ هذه العبارة الكليني و الصدوق و الشيخ بأسناده عن محمد بن يحيى و إنْ أزاد عليه الكليني و الشيخ إلَّا إن الزيادة لم نكن بحاجة إليها فإن ما ذكرناه منها صريح في جواز تطوع ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة.

الثاني: الصحيح الذي رواه الصدوق بأسناده عن عمر بن يزيد إنه سأل أبا عبد الله عن الرواية التي يروون إنه لا ينبغي أن يتَطوع في وقت الفريضة ما حدَّ هذا الوقت قال:

(إذا أخذ المقيم في الاقامة فقال له: إنَّ الناس يختلفون في الاقامة فقال: المقيم الذي تصلِّي معه

)، فإن الظاهر أن الرواية الثابتة في المقام عند الشيعة و إلَّا لا معنى لسؤال الصادق عن روايةٍ عند العامة هي هذه الرواية. و إنَّ لا ينبغي إنما تدلّ على الكراهة و يؤيد ذلك إنَّ ذلك أُنيطَ بالاقامة للجماعة و لو كانت الحُرمة ثابتة لوقت الفريضة لما أناطَ عدم الانبغاء بالاقامة المختلفة غاية الاختلاف بالناس كما اعترف به السائل.

كتاب الصلاة (لكاشف

الغطاء)، ص: 74

الثالث: الصحيح كما قيل على الصحيح الذي رواه الكليني بسنده عن محمد بن مسلم قال قُلت لأبي عبد الله (ع): (

إذا دخل وقت الفريضة أتنَفّل أوْ أبدأ بالفريضة؟ قال (ع): إنّ الفضلَ أن تبدأ بالفريضة

) فإنَّ التعبير بالأفضلية يدلُّ على جواز النافلة و إلَّا لقال الواجب أن تبدأ بالفريضة.

الرابع: الموثّق الذي رواه الكليني بسنده عن إسحاق بن عمّار قال: قلت أُصلي في وقت الفريضة نافلة؟ قال:

(نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به فإذا كنت وحدك فأبدأ بالمكتوبة و منها غير ذلك

)، و لا ريب إنَّ هذه الأخبار و نحوها ظاهرة في كراهة الإتيان بالنافلة عند صلاة الجماعة و أولوية الاتيان بالفريضة عند وقتها فهي تقتضي عدم حرمة النافلة، و يؤيَّد ذلك ما عن الدروس إنَّ الأشهر انعقاد النافلة في وقت الفريضة أداءً كانت النافلة أو قضاءً كما إنه يُستفاد من جواز الإتيان بالأعمال المستحبة و غيرها هو جواز الإتيان بالنافلة كما إنّهُ ربما يُقال إنَّ أخبار المواسعة تقتضي بالأولوية جواز الاتيان بالنافلة، و قد استُدل لحرمة التطوع بأخبارٍ منها رواية أديم بن الحرُّ قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول:

(لا يتنَفّل الرجل إذا دخل وقت الفريضة و إذا دخل وقت الفريضة فابدأْ بها

). و منها ما في الصحيح الذي رواه الحلبي في مستظرفات السرائر من كتاب حُريز ابن عبد الله عن زُرارة عن أبي جعفر (ع) قال:

(فإذا دخل وقت الفريضة فأبدأ بالفريضة

)، و منها ما في الصحيح في الكافي عن أبي جعفر (ع):

(و لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها

). و منها الحسن الذي رواه الشيخ بأسناده عن نجية قال: تُدركني الصلاة أو يدخل وقتها فأبدأْ بالنافلة قال (ع):

(لا و

لكن ابدأ بالمكتوبة

)، و الظاهر إنَّ النهي فيها للارشاد إلى إنَّ الاتيان بالشي ء الواجب أولى من الاتيان بالمستحب بقرينة قوله في موثقة سماعة

(فليبدأ بالفريضة

) و هو حق الله، و ما في رواية زرارة عن أبي جعفر (ع):

(فلْيقضي ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت و هذه أحق فليقضها فإذا قضاها فليصلي ما فات مما قد مضى

)، و لا يخفى إنَّ التعليل بالأخفية لصاحبة الوقت يقتضي المنع عن اتيان النافلة عقلًا و عليه فيجوز تطوّع النافلة، و لا يلزم النقص في ثوابها فالنهي إنما هو لأجل كون ذمة المُكلَف بما هو أهم و يكون العقاب على تركه ألزم كما هو المُتعارف عند أرباب الصلاح و الكمال من نهي أتباعهم عن الأعمال الواجبة إذا كان عليهم واجبٌ آخر على إنَّ أخبار الجواز صريحة في معناها و أخبار المنع ظاهرة في مدلولها إذْ يُحتمل فيها المنع للكراهة أو للإرشاد إلى أهمية الواجب من المُستحب و مقتضى القاعدة حمل الظاهر على الصريح.

إن قلت أن الشهرة مع أخبار المنع، قلنا لو سلّمنا ذلك إن الشهرة لم تكن قد بلغت بحدٍ توجب خروج أخبار الجواز.

الحكم التاسع عشر: عدم فورية القضاء

و يدل عليه ذيلَ الرواية حُرَيْز عن زرارة الطويلة و هو قوله (ع):

(في العشاءين الفائتين فيما إذا خشِي أنه تفوته الصبح إنْ بدأ بالمغرب و هو قوله (ع): لأنهما جميعاً قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلِّهما إلَّا بعد شعاع الشمس، قال زرارة قلت: و لِمَ ذلك قال (ع): لأنكَ لست تخاف فوتها

) فإنها تدلّ على جواز التأخير للقضاء إلى أي وقتٍ كان بعد شعاع الشمس، كما

كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، ص: 75

أنَّ التعليل بعدم خوف الفوت يقتضي جواز تأخير القضاء لأي

فريضة كانت إذْ معه لا يخاف فوت القضاء.

و يدلُّ على ذلك ما في رواية زرارة المحكية عن الشهيد في الذكرى و ما في مضمرة سماعة في من فاتتهُ صلاة الصبح من قوله (ع):

(صلِّها

) حين يذكرها فإنَّ هذا التعبير ظاهر في عدم الفورية كما هو عند العرف و إلَّا لو كان فوراً لأمره بالاتيان به فعلًا.

و يدلُّ عليه أيضاً ما في رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) في رجلٍ نام عن صلاة الصبح إلى أن طلعت الشمس و هو في سفرٍ فقال (ع):

(لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار و لا تجوز له و لا تثبت له و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل

)، و الظاهر إنَّ منعه عن قضاء الصلاة فريضة كانت أو نافلة بالنهار إنما هو لأجل كون المسافر على الراحلة في النهار دون الليل و كيف كان فهي تدل على عدم لزوم المبادرة و إلَّا لزم أن يأمرهُ (ع) بالاتيان بها فعلًا و ان كان يستلزم النزول من الراحلة.

و يدلُّ عليه ما في رواية اسماعيل بن جابر المحكية عن الذكرى في رجلٍ عليه قضاء صلوات فقال (ع):

(اقضِ مع كل صلاةٍ صلاة

)، فلو كان القضاء فوري لأمره (ع) بإتيان الصلوات فوراً.

و يدل عليه ما في المحكي عن ابن طاوس عمّا وجده في آمال السيد أبي طالب عن علي بن الحسن الحسني بسنده المتصل إلى جابر بن عبد الله قال: قال رجل لرسول الله (ص) كيف أقضي؟ قال (ص):

(صلّى مع كل صلاة مثلها

). و يدل عليه صحيح ابن مسلم قال: سألته عن رجلٍ تفوته صلاة النهار قال (ع):

(ان شاء بعد المغرب أو بعد العشاء)

، و مثلها صحيح الحلبي و غيرهما مما هو صريح

في ذلك فلا يصغى لما دلَّ على فورية القضاء من الأخبار لأنها أصرح فلا بد من حملها على الاستحباب.

هذا آخر ما خطه قلمه الشريف في المخطوطة، و الحمد لله أولًا و آخراً.

________________________________________

نجفى، كاشف الغطاء، على بن محمد رضا بن هادى، كتاب الصلاة (لكاشف الغطاء)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.